TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى :الراجز المعاصر ثورياً..قراءة فـي "سفر الفقر والثورة" للبياتي

تلويحة المدى :الراجز المعاصر ثورياً..قراءة فـي "سفر الفقر والثورة" للبياتي

نشر في: 24 يونيو, 2011: 06:10 م

 شاكر لعيبي 3-4 الثورة في شعر البياتي تقع دون شك في إطار الخيْر، وبعبارة أدق الخَيِّر الأفلاطونيّ، وإنْ تلبست لبوساً أرسطوطاليسيا مادياً. هنا مفارقة كبيرة بالنسبة لشاعر يساريّ بل بالنسبة لليسار العربيّ برمته. إن ماهية العالم عند البياتي قد تُقرأ بصفتها مثالاُ أعلى أو من يوتوبيا المدن الفاضلة.
يميّز أفلاطون تمييزاً قاطعاً بين الأشياء المحسوسة وماهيّتها ونظر إلى الماهيّة على أنّها الكمال ذاته، الكمال الثّابت الّذي لا يتغيّر، كما تتسم الماهية بالوحدة والبساطة فلا تقبل التحليل لأنّها ليست مركّبة من أجزاء، وهي الوجود الخالص الّذي لا يعتريه أي نقص، وبالتالي فهـي المثال، وهي وحدها موضوع العلم، والماهيّة غير مرئيّة بحواس الجسم أو عيني الرأس، وهي العالم المعقول الّذي نعلمه ببصيرة النّفس لا ببصر العيون.يقول أفلاطون إن العنصر الرّوحي الدّاخلي هو أساس كلِّ تغيير. لأنَّ جميع المُثُل في عالم المعقول، تتّجه نحو علل أسمى منها في الكمال والوجود وهي الخير المطلق - الّذي هو الكمال المطلق- وهو علّة لوجود المثال، وعلّة ذاته، وإذا كانت الأشياء موجودة من أجل المثال، فالمثال أيضاً موجودٌ من أجل مثال أعلى منه هو "الخير" ولا نستطيع أن نصل إلى مرتبة "الخير" على نحو ما هو موجود في ذاته، كمـا أنَّ عقولنا تعجز عن بلوغ غوره البعيد، فالخير هو العلّة العامّة لجميع ما هو حسن، وهو علّة العلم والحقّ، وهو أيضاً علّة الماهيّة ذاتها، علّة الوجود والحقيقة: "كمـا أنَّ الشّمس هي مصدر الضّوء والحياة في هذا الوجود ، كذلك الحال في عالم المثل، وصـورة الخير هي مصدر النّور ومصدر الحياة بالنّسبة إلى بقيّة الصّور، فجميع الصّور معلولة لصورة الخير"، والخير في العالم المعقول هو علّة العلم ، لأنّه النّور الخالص الّذي بواسطته يتّحد الذّهن بالشيء المرئي ثم إنَّ الخير يمنح الأشياء المعقولة فضلاً عن صفتها بأن تكون معقولة وجودها وحقيقتها، في حين أنَّ الخير نفسه يجاوز كلّ حقيقة، والخير الّذي هو مقصد الحياة هو مبدأ كل حقيقة، يقول أفلاطون: "وقيمة الخير أسمى من العلم والحقيقة جداً.. وأنَّ مواضيع المعرفة تستمدّ من الخير (الأعظم) يقينيّة وجودها وجوهريّته .. لا معروفيّتها فقط" (حنّا خبّاز، جمهوريّة أفلاطون، ص266-267). ينشغل البياتي بالكمال الثابت،  فالخير في شعره هنا هو علة العلم والحق والوجود والحقيقة.وفق القراءة المتمعنة لشعر البياتي  في هذه المجموعة أو في غيرها فإن الخَيْر المطلق هو ما كان يبحث الشاعر عنه عبر الثورات، وهو ما يودّ أن يدفع الجمهور نحوه. ففي "مرثية إلى مهرّج" (ص51)، نقدٌ للمهرّجين على مسرح الحياة والسياسة. المهرج هنا والملك، كلاهما موضوعان في منطقة روحية وإنسانية معتمة. المهرج يمارس التهريج حتى لو لعب دور هاملت على المسرح. المهرج السياسي المعاصر بقناع هاملت رغم كل الفوارق التاريخية والثقافية والزمنية. إنهما يتماهيان بمعنى من المعاني طالما أن الشرَّ موجودٌ منذ الأزل. تنتهي القصيدة بمقطعها الأخير إلى القول:من النظام تولد الفوضى ومن تناغم الأصواتتنبعث الصيحاتهاملت مات قبل أن يموتسطا على إكليله الشوكيّ عنكبوتكان على المسرح يبكي، كان تاج الورق الملوّن الكبيريدوسه الجمهوركان بلا ملقن، يرقص في الفراغ، فوق ظله يدورأيتها الديدانأتأكل النيرانهذا الحصان الخشبي، هذه الجدران؟أيبعث الإنسان؟في هذه المقبرة الضائعة المكان؟جوهر الثورة خَيرٌ، لكنه خَيْرٌ أفلاطوني.تساهم القافية في حالة البياتي بمنح رنينٍ لصوتِ الشاعر الثائر، لكن رنينها العالي يستحثّ مستمعيه أيضاً إلى الثورة معه، فقصيدته "سِفر الفقر والثورة" نفسها تبدأ على هذه الشاكلة (وهي ليست رجزاً):من القاع أناديكلساني جف واحترقتفراشاتي على فيكأهذا الثلج من برد لياليك؟أهذا الفقر من جود أياديك؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram