ميعاد الطائيهل وصلت حكومة الشراكة والتوافقات السياسية نهاية النفق؟ وأصبح التوافق مستحيلا؟ وهل يحتم ذلك على القوى السياسية إيجاد الحلول المناسبة لإيقاف هدر الزمن وضياع الجهود؟ منذ انطلاق العملية السياسية في العراق، شهدنا دخول مصطلحات غريبة عن الديمقراطية؛ أهمها المحاصصة، والتوافقية، والشراكة في القرار، علما أن هذه المفاهيم والمصطلحات، ليس لها أي أساس دستوري، يسمح باعتمادها، وفي الوقت نفسه، غابت مفاهيم الأغلبية، والمعارضة السياسية، لصالح الانتماءات الضيقة، والتحزب، والبحث عن المكاسب الشخصية.
فعن أي شراكة نتحدث والقوى السياسية المشتركة تستأثر بحصتها كشريك؟! ومن جهة أخرى ترفع راية المعارضة، وتتبرأ من الحكومة، وتلقي بكل الأخطاء والتقصير على الشركاء؛ في محاولة واضحة؛ لعرقلة العملية السياسية، وللتسقيط السياسي، الذي واكب العملية السياسية في العراق، منذ بدايتها حتى اليوم.وتأتي هذه التجاذبات في الوقت الذي أصبح الشعب في أمس الحاجة للتشريعات والقوانين المعطلة في مجلس النواب، وكذلك للخدمات المتعطلة في أروقة مؤسسات السلطة التنفيذية، فضلا عن الاستحقاقات الوطنية القادمة، ونقصد هنا الانسحاب الأمريكي، وتداعياته، حيث تتطلب كل هذه الملفات قرارات حازمة، تتوحد فيها الآراء، والمواقف باتجاه المصالح الوطنية العليا، إلا أن ما يحدث هو أن كل طرف من القوى السياسية المتناحرة، يتهم الطرف الآخر بتعطيل العملية السياسية، وإفشال حكومة الشراكة الوطنية، في ظل غياب الثقة بين الأطراف، بل أكثر من ذلك، إذ أصبح كل طرف يتربص بالطرف الثاني؛ لإسقاطه، ولتحقيق بعض المكاسب من خلال ذلك.وهكذا كانت حكومة الشراكة مبنية على أسس غير ديمقراطية، تحت ذريعة مراعاة التنوع الإثني، والطائفي في البلاد، وإشراك جميع ألوان الطيف العراقي فيها، الأمر الذي أدى إلى ولادة حكومة مترهلة، احتاج القائمون على تشكيلها إلى استحداث المناصب، والوزارات الجديدة؛ لإرضاء الجميع على حساب الكفاءة والمهنية، ولتتجسد مفاهيم المحاصصة الطائفية، والمناطقية، والقومية في تشكيل هذه الحكومة.اليوم، اكتشف الجميع عدم إمكانية المواصلة في العمل بروح الفريق المتعاون؛ لذلك بدأنا نسمع دعوات من أحد طرفي المعادلة السياسية؛ لمحاولة الذهاب نحو حكومة الأغلبية السياسية؛ للخروج من عنق الزجاجة؛ لأنه يعتقد بأنه قادر على جمع الرصيد الكافي؛ لتأسيس هذه الحكومة، لينخرط من يتبقى من القوى السياسية في جانب المعارضة السياسية، التي تراقب عمل الحكومة، وتكون عين الشعب في البرلمان والحكومة.على حين يرى الطرف الآخر من القوى السياسية، أن الحل يكمن في إجراء انتخابات مبكرة، يعتقد بأنه قادر على تغيير الخارطة السياسية من خلالها .وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلا الطرفين يقترح حلا يتوافق ورصيده، وما يعتقد بأنه سيجعله على رأس الحكومة الجديدة، من دون الالتفات إلى أن هذه الحلول، تنقصها الرؤيا الواقعية، حيث تحتاج حكومة الأغلبية السياسية إلى ائتلافات بين عدد من القوى السياسية؛ للوصول إلى الرصيد الكافي، وهذا يعني أننا سنكون أمام حكومة شراكة مصغرة، وسنعاني من نفس المعوقات السابقة. أما مقترح الانتخابات المبكرة ـ وعلى الرغم من دستوريته ـ فإنه يفتقد كثيرا من المقومات؛ ليكون فعالا؛ وأهمها، إن النظام البرلماني في العراق عاجز عن إفراز كتلة سياسية، يمكنها أن تفوز بأغلبية الأصوات، في ظل التنوع الموجود، من دون الحاجة إلى ائتلافات تجر العملية السياسية إلى مبدأ المحاصصة من جديد، ونعتقد أن من اختار هذا النظام للتجربة العراقية، كان يعرف جيدا هذه الحقيقة، وتعمد بعضهم الإصرار على إبقاء هذا النظام، وعدم اللجوء إلى النظام الرئاسي؛ لأنه يعلم عدم إمكانية الفوز بالأغلبية المطلوبة، ولنبقى نسير على وفق المصالح الضيقة لبعضهم، ممن لا يهمهم نجاح التجربة العراقية، بقدر ما يهمهم الوصول إلى السلطة، تحت ذريعة الاستحقاقات الطائفية، والمذهبية، والقومية، والشراكة، والتواجد في مركز القرار. اذًا، علينا العودة إلى أصل المشكلة، ومنبع المحاصصة، والشراكة، التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن، وهو الحاجة إلى استبدال النظام البرلماني، الذي اثبت عدم فاعليته في إنتاج حكومة قوية ومعارضة سياسية فاعلة، تدافع عن حقوق المواطن بالنظام الرئاسي المتبع في الديمقراطيات المتحضرة والناجحة؛ لنتخلص من المحاصصة، والشراكة، وتقاسم السلطة.
حكومة الشراكة وغياب التوافقات
نشر في: 25 يونيو, 2011: 06:13 م