اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > تذكرة الخلود

تذكرة الخلود

نشر في: 25 يونيو, 2011: 07:04 م

أزهار علي حسينلا أعتقد أن أحدا يختلف معي في أن الأدب محاولة لإيجاد عالم مواز ٍلفوضى هذه الحياة، وعبثيتها، إذ إنه يمثل المعادل الموضوعي، الذي استولدته مخيلة الإنسان؛ لتحمل عبء حقيقة وجوده، في واقع لا تمنح تفاصيله له أكثر من ألم دائم، حتى في أقصى حالات اللذة، والسعادة،
 متمثلا ذلك الألم في حتمية نهاية لحظته، مهما كان امتدادها، مع كل ما يتبع هذه اللحظة من سلسلة للفقدان والانكسارات في الحياة؛ ليوفر للإنسان ـ ذلك الألم ـ بسخاء باذخ إحساسا عميقا باللا قناعة الدائمة، تجاه ما فرض عليه من واقع مشروط، بحتمية النهاية لكل شيء فيه.ولهذا وأمام سلسة الحقائق المؤلمة تلك، كان لا بد للإنسان من أن يبحث عن خلوده دائما، وأبدا، منذ أولى الرحلات التي قام بها إلى عالم (خمبابا) المجهول، في طلب العشبة المقدسة، التي تأكد له مع مرور الزمن أنها لا تبعد عنه أكثر من نبضة منتفضة، دوّن بها ـ ومن خلالها ـ أفكاره، وأخيلته.من هذا المنطلق ـ وعلى هذا الأساس ـ يمكن لنا أن نتساءل، وفي لحظة حقيقة غاية في البراءة: من منا لم يمارس غواية الأدب، حتى وإن لم يكن أديبا بمحاولاته المخبأة في اجتراح عالمه الأمثل عبر أفق أخيلته الرحبة؟.لكننا ـ وللأسف ـ سنضطر إلى العودة؛ لتحطيم صفاء ذلك السؤال، إذا ما عدنا إلى تعريف الأدب السابق، الذي نسجناه على أساس خيالي، وهمي بحت؛ لنتمه بتعريف الأديب، أو صانع الأدب نفسه، بأنه ذلك الكائن الأكثر حساسية لعري ذلك الضوء المبذول في فسحة خياله، وبأنه ـ أي الأديب ـ هو من يستطيع عقد قران تلك الفسحة المتوهجة اللا محدودة، مع تجريد الكلمة الأمثل والأكفأ لها بمدى قدرته على التواصل والاتحاد مع ذاته.إذًا، فنحن نستطيع أن نقول عن الأديب، إنه ذلك الكائن المتمازج بحروف اللغة، والمتسرب بشغف إلى دهاليزها، وغرفها بفتنتها، ورعبها المستتر في الوقت نفسه، وهو ـ أيضا ـ ذلك المواظب الجدي في إتمام دورة جنون خيالاته، من خلال إرسالها ـ بشكل ملموس ـ عبر تلك الفسحة المحصورة، ما بين فورانها في ذهنه، ومسار ترويضها، وصبها في جسد اللغة، الذي هو المسار الأكثر صعوبة، وإرهاقا، من دون أي مسار في العالم، كما يصرح بذلك همنغواي حين يقول عن الكتابة: إنها المهنة الأقسى في العالم. وبالطبع، تنبع تلك القسوة، وتتشكل ملامحها، من محاولة صب ذلك اللا محدود من الخيال بتشذيب جنوحه، وتهذيب فوضاه، في قالب محدد من اللغة، ومحاولة المواءمة والمزاوجة ما بينها في مسار موحد، قطعا ـ ولا شك ـ لا بد من توازن وتماثل وتكافؤ عنصريه (الخيال/ الكلمة)، وإلا لكانت نهاية النتاج الأدبي. وبالطبع، يواجهنا السؤال الأكثر حتمية من سواه في الاستفهام عن جدوى تلك المعاناة، وتحمل قساوتها؛ لتحرير الخيال من قيد جنونه، وفوضاه، وإدخاله الحيز الآسر، المتمثل في الكلمة شعرا كانت أم نثرا؟والجواب ـ بالطبع ـ هو في ذلك الفرق والتباين بين الأديب واللا أديب، ومحاولة الأول وجديته في رسم خرائط عالم أكثر جمالا، وبهاءً، ونورا، من خلال لا محدودية أفق رؤاه، التي شكلها على مر أزمان من المعرفة، والقراءة، والوعي أيضا، حتى لو كان ذلك من خلال اتخاذ سبيل المعاناة، واختلافه ـ النوع الأول/ الأديب ـ عن ذلك النوع الثاني/ اللا أديب، الذي نزع إلى بسترة خيالاته، واختزالها في عالم من الاستسلام، لما هو واقع مفروض ضمن هذا العالم، هاربا من جموحها تلك الخيالات إلى اختصار ذاته في خيارات ضيقة.فالأدب إذًا، هو فرضية الخلق والتغيير، التي حملت راية التحدي، لنتيجة حتمية يتنفسها الإنسان، ألا وهي نهايته، وفناؤه، فحفظت بذلك ـ تلك النظرية المتمثلة بالأدب ـ  تاريخ مشاعره وإرهاصاته، من تفسخ، وتلاشٍ أكيد، فما وصلنا من منجز أدبي على مرور الأزمنة، حمل في طياته تاريخا من مكابدات الهم الإنساني، كاد يكون هباء منثورا، لولا أنه ـ أي ذلك التاريخ ـ قطع تذكرة الأدب للوصول إلينا، مع معرفتنا بضياع كثير من هذا التاريخ الأدبي الإنساني، ضحية للجهل، والمعتقدات، والأفكار المشوهة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram