TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > قراءة في نتائج ثورة العشرين

قراءة في نتائج ثورة العشرين

نشر في: 29 يونيو, 2011: 05:36 م

إيمان محسن جاسممثل كل الأحداث التي مرت بالعراق منذ فجره الأول حتى يومنا هذا ، كانت ثورة العشرين ينظر إليها في سياقها التاريخي على أنها مهدت الطريق لتأسيس الدولة العراقية في بداية القرن العشرين ، وعلى الرغم من أن هذه الثورة أخذت أبعادها الشعبية عبر المشاركة الفعلية فيها من قبل الغالبية العظمى من شرائح وفئات الشعب العراقي سواء في المدن أو الريف، إلا إن هذا الزخم الشعبي للثورة وما شكله من وعي وطني وقومي لم يكن عاملاً حاسماً في طبيعة المواجهة بين الثوار والقوات البريطانية التي كانت مدججة بالسلاح والعتاد والعُدة والعدد وخرجت للتو منتصرة في حرب عالمية أعادت تشكيل خارطة العالم من جديد .
وهنا ونحن نستذكر ذكرى هذه الثورة الشعبية وما مثلته من وعي وطني بالدرجة الأولى علينا أن ننظر إليها من زاوية يرفض البعض النظر إليها بحكم التراكمات التأريخية في الذاكرة الجمعية للمجتمع العراقي الذي ينظر للأحداث من زوايا ويهمل زوايا أخرى هي بأمس الحاجة للاستقراء للوقوف على الأخطاء سواء المقصودة منها أو غير المقصودة .ومن هذا المنطلق لم يسأل أحد نفسه هل نجحت ثورة العشرين في تحقيق أهدافها أم فشلت في ذلك ؟والفشل والنجاح في هذا الموضوع هو قضية نسبية،فليس هناك فشل مطلق أو نجاح مطلق في تاريخ الشعوب لأن كل مرحلة من مراحل النجاح أو الفشل تؤدي إلى المرحلة التالية والتي قد تكون معاكسة في نتائجها.ووفق هذه الرؤية علينا أن نبتعد كثيراً عما ألفنا مطالعته في الكتب عن هذه الثورة ونحاول جهد الإمكان أن مستقرئ نتائجها وما تحقق وما لم يتحقق .والمتابع لحركة التاريخ سيجد بأن العرب وما أن قامت الحرب العالمية الأولى وجدوا أنفسهم بين نار عدوين،الأول يعرفونه أربعة قرون مكث في أرضهم و خلف لهم خلالها الفقر والجهل والمرض وسائر مظاهر التخلف، وزاد من شراسته فأخذ يحارب لغتهم وهويتهم العربية بعد أن جردهم من حقوقهم السياسية وغير السياسية،وبين عدو يعرفون أطماعه لأنه سلخ الجناح العربي الأفريقي عن جسم الدولة العثمانية وأخضعه لسيطرته الاستعمارية التي لم  يألفها العرب من قبل، كما تسلل هذا العدو إلى الخليج فأحكم سيطرته على السواحل العربية. ولم يبق عليه سوى السيطرة على بلاد الشام والعراق لتكتمل سيطرته على الوطن العربي كله وهذا ما تحقق له في نهاية المطاف. واختار العرب نتيجة لظروف كثيرة الوقوف إلى جانب العدو الذي لم يعرفوه معرفتهم للأتراك على أمل أن يحقق هذا العدو وعوده باستقلال العرب بعد نهاية الحرب.وهذا ما جعل الشريف حسين على سبيل المثال أن يتحالف مع بريطانيا ويعلن الثورة العربية الكبرى عام 1916 لتقويض العثمانيين عبر الوسيط مكماهون البريطاني الذي كان يراسل الشريف حسين من اجل إعلان الثورة باسم العرب لتأخذ أبعادها القومية. وتوسعت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أشكال المقاومة ضد الاستعمار الجديد،فأخذت بذور الثورة تنبت هنا وهناك على شكل مقاومة سياسية وعسكرية فكانت ثورة 1919 في مصر بقيادة سعد زغلول،انتفاضات العشرينيات في فلسطين، ثورة جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش، ثورة جبل عامل في سوريا أيضا. لهذا فإن ثورة العشرين لم تخرج من هذا السياق التاريخي بأنها كانت رد فعل على نكث بريطانيا لوعودها بدعم المشروع العربي المناهض للسياسة العثمانية في مرحلة ما قبل نهاية الحرب العالمية الأولى واستسلام الدولة العثمانية.لهذا عمدت بريطانيا لأتباع أكثر من ستراتيجة في مواجهة الثوار الأولى الردع العسكري العنيف من جهة ومن جهة ثانية امتصاص النقمة الشعبية حيث بادرت الحكومة البريطانية إلى تأسيس ما سمي بالحكم الأهلي في العراق وذلك بتشكيل أول حكومة وطنية مؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب وروعي في توزيع الحقائب الوزارية التمثيل الديني والطائفي والعشائري للبلاد، ووُضِع مستشار إنجليزي بجانب كل وزير. وأعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكية عراقية رشحت لها الأمير فيصل بن الشريف حسين بعد خروجه من سوريا. وتم اختياره ملكا على العراق، وتوّج في 23 آب 1921.وتأسيس المجلس الأهلي ليس نجاحاً كما يظن البعض بقدر ما هو تكريس للهيمنة البريطانية على العراق بدليل توالي الانتفاضات والانقلابات العسكرية وتظاهرات الاحتجاج على المعاهدات الموقعة مع بريطانيا والتي تؤدي جميعها لتكريس الوجود البريطاني سواء في القرار السياسي العراقي أو في مفاصل اقتصاد البلد،خاصة وإن العراق ظل لفترة طويلة مرتبطا بالجنيه الإسترليني .ّويضاف إلى ذلك كله بروز طبقة الإقطاعيين ومُلاّك الأراضي والذين استفادوا من ثورة العشرين في تكريس وجودهم كنخب اجتماعية ظلت تمسك بالكثير من المفاصل حتى بعد انبثاق حكومة كانت نواتها الأولى مجموعة من الوجوه الاجتماعية  التي كان هدفها الأول الحفاظ على مصالحها وإدامتها على حساب مصالح الشعب .لذا يمكننا القول بأن ثورة العشرين في جانب منها كرست الوجود البريطاني في العراق من خلال هيمنتها على الوزارات والسياسيين في البلد الذين وجدوا أنفسهم بحاجة ماسة للبريطانيين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram