عامر القيسي لو أن تصريحاً صدر عن أي مستوى من السياسيين عن تقسيم العراق على أساس الطوائف والملل، لكنا قد اعتبرنا ذلك من باب الخرف السياسي أو الجهل أو التصريح مدفوع الثمن، لكن أن نقرأ ونسمع تصريحا عن "إقليم سني" لرئيس مجلس النواب، فهذا الذي لا ينبغي السكوت عليه. لان النجيفي ينبغي ألا يتحدث كرئيس حزب ولا كتلة ولا قائمة، انه رئيس مجلس النواب الذي تتحتم عليه مسؤوليات تأريخية خارج القومية والطائفة والملّة والعشيرة.
رئيس البرلمان اقسم أمام الجميع على أن يحافظ على وحدة العراق لا على التهديد بتقسيمه، اقسم على محاربة الطائفية لا تعزيزها واقسم على الحفاظ على الدستور لا على تمزيق بنوده تحت الأقدام!لو عممنا نظرية الإقصاء والتهميش على كل المكونات العراقية والطبقات الاجتماعية والانتماءات المللية، ودعونا إلى حلول تقسيمية فأي مشهد "عراقي" سيظهر أمامك. الأكيد انك ستحتاج إلى تلسكوبات فضائية لكي ترى أنواع الملل والنحل التي تقسم العراق بموجبها على قاعدة معالجة الإقصاء. واستمرارا للمسلسل البائس يظهر علينا من شاشات الفضائيات السيد صالح المطلك نائب رئيس الوزراء ليهدد هو الآخر بالتقسيم كحل للمعاناة التي يشعر بها السنة! جاء الجواب إلى النجيفي والمطلك، من قائمتهما التي يمثلون فيها مواقع مهمة، والتي أعلنت على لسان الدملوجي، إن الإقصاء والتهميش وعدم مشاركة الآخرين بالقرار السياسي لا تعاني منه السنة فقط والمعاناة من البطالة ونقص الخدمات والتمييز في التعيين بوظائف الدولة لا تقتصر على السنة فقط. لان الذي يجري هو منهج سياسي للاستئثار بالسلطة كاملة وترك الفتات للآخرين، أقسام واسعة من الشيعة تعاني من التهميش والإقصاء والقوى السياسية والمكونات العراقية الأخرى من مختلف الطوائف تعاني من سياسة حكومية حزبية تريد أن تستحوذ على كل شيء وتقضم الكيكة لوحدها تحت شعار الحزب الواحد فاسحة المجال لأشكال متنوعة وخطيرة من الصراعات التي تدق الباب العراقية بقوة. إن سياسيين يتعاملون بردود الأفعال هم ابعد ما يكونون عن السياسة وتنوعاتها وأساليبها، وهم ابعد ما يكونون عن الشارع والاستفادة من إمكاناته الهائلة القادرة على التغيير، ليس في توجهات حكومية وإنما في إسقاط حكومات. اللجوء إلى الجماهير هو الحل، وليس تركها تواجه مشارط البلطجية في ساحة التحرير وتدفع الثمن وحيدة واحدة، لو أن القوى الرافضة لمنهج الإقصاء والاستئثار والتهميش والمحاصصة والطائفية التجأت الى الشارع العراقي وتبنت مطاليبه العادلة ونظمت مسيراته سلميا وبلورت أهدافه وعمقتها ورتبتها، لكان الأمر مختلفا الآن تماما. وأمامنا دليل داخلي، فـ"ثلة" من شباب الفيس بوك ونشطاء في المجتمع المدني قلبوا الطاولة على الجميع واجبروا الحكومة أن تكشف عن بعض عوراتها "الاعتقال والتعذيب والملاحقة" وان ترضخ في جانب آخر للضغط الشعبي المتواضع، فتمنح نفسها فرصة مئة يوم لتصحيح الأوضاع، بغض النظر عن تفسير المهلة إن كانت تسويفا أو مهلة حقيقية للإصلاح. ولدينا أدلة من الربيع العربي وكيف أن الجماهير أعادت تشكيل التأريخ فقلبت أنظمة وغيرت أخرى وفي الطريق البقية الباقية.هذا هو العمل السياسي الناضج والحقيقي والممكن الذي يوحد العراقيين ويحقق أهدافهم في عراق ديمقراطي تعددي يأخذ الجميع فيه حقوقهم التي كفلها لهم الدستور. أما دعوات التقسيم مهما بلغت لغتها الدبلوماسية من أناقة، أو فجاجتها من وقاحة فإنها في كل الأحوال لن تنتج لنا العراق الذي يريده الشعب العراقي برمته، بل تنتج لنا دولة الكونتانات التي يصبح الجميع فيها ضعفاء بما في ذلك فزاعات اليوم!
كتابة على الحيطان :رئيس مجلس نواب أم ماذا؟
نشر في: 29 يونيو, 2011: 09:01 م