حسين علي الحمداني العالم بأسره يتقدم نحو تكنولوجيا المعلومات وقد كشف التقرير العالمي حول تكنولوجيا المعلومات 2010-2011الصادر يوم 20 حزيران 2011 التحولات الكبيرة التي طالت 138 دولة من دول العالم في هذا المجال،وللأسف الشديد لم يكن من بين هذه الدول العراق، ونقول للأسف الشديد لأننا بإمكاناتنا المادية والبشرية قادرون على أن نحقق طفرة نوعية كبيرة في هذا الميدان الذي بات يشكل أحد أهم مؤشرات التقدم والرقي في العالم.
كنت قبل أيام أتحدث مع مجموعة من التربويين في هذا الصدد، وحقيقة الأمر صُدمت من نسبة التخلف الكبيرة التي يعيشها النظام الإداري لدى وزارة التربية العراقية،ينقل لي أحد مدراء المدارس بأنه قرر أن يستهلك مجموعة أثاث قديم جداً يصل تاريخ تسلم بعضه لعام 1952 من القرن الماضي،ويتطلب الأمر معاملة شطب هذه المواد عبر آليات إدارية معقدة نوعما، ومنها أن تكون هنالك استمارة مُعدة لهذا الغرض يتم درج المواد المطلوب شطبها والمصادقة عليها من قبل لجنة الشطب التي عادة ما تكون في المديريات العامة في المحافظات ويصعب الحصول على تواقيعهم بيوم أو يومين أو أسبوع لأن أغلبهم في (إيفادات أو اجتماعات)، المفاجأة كانت صدمة كبيرة لهذا المدير حين رفضت اللجنة المصادقة على قوائم الشطب والاستهلاك بسبب إنها كتبت بالحاسوب!!!! وتمت إعادتها مع ضرورة كتابتها بالقلم الجاف ولا يسمح بالاستنساخ أو (وضع الكربون) وأن تكون كل قائمة سبع نسخ جميعها مكتوب بخط اليد وبالقلم الجاف! ولا أحد يعرف ما هو السبب! وبالتأكيد إنها التعليمات التي قد تكون صادرة عام 1952 أو قبل هذا التاريخ ولكنها ما زالت سارية المفعول حتى يومنا هذا، وهذا سر عدم إدراج العراق في التقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات.كنت أنصت لمدير المدرسة بألم شديد وهو يشرح لي معاناته وهو يكتب كل هذه النسخ بخط يده دون أن يُسمح له باستخدام التكنولوجيا من قبل وزارة يُفترض إنها أول من تستخدم هذه التكنولوجيا،ولكن المشكلة لا تقتصر على هذا بل يتطلب من مدير المدرسة أن ينقل هذه المستهلكات للمديرية العامة في محافظته وعلى نفقته الخاصة ويدفع ما لا يقل عن 100 ألف دينار لغرض نقلها وتحميلها وتفريغها،وهذا المبلغ لا يساوي سعرها لو بيعت كأنقاض. والأخطر من هذا فإن أغلب بنايات مديريات التربية في العراق إلى جوار مباني المحافظات وبالتالي فإن الأوضاع الأمنية تفرض نفسها وأحياناً كثيرة تمنع وصول المركبات وغيرها وهنا سنجد مشاكل أخرى جديدة تظهر في الصورة. وبما إن لا أحد يتذمر من هذا النمط الإداري القديم والذي يتطلب أن تنظم به قوائم شطب من أجل رفع الأعباء عن إدارات المدارس وما أكثرها في العراق، فإن وزارة التربية أو مديرياتها أو على الأقل بعض هذه المديريات ابتكرت طريقة جديدة لتعذيب مدراء المدارس عبر الطلب منهم تنظيم قوائم شطب واستهلاك الكتب المسترجعة من التلاميذ للعام الدراسي الماضي وبنفس الآليات التي مررنا بها سابقاً وهذا يعني بأن مدير المدرسة سيقضي العطلة الصيفية يكتب استمارات شطب ليس إلا خاصة وإن كل مدرسة تسلمت آلاف الكتب ووزعتها على التلاميذ ومنهم من أعادها ومنهم من أضاعها أو مزقها.هنا ومن واجبنا أن نطرح على وزارة التربية مجموعة من الأسئلة التي تدور في أذهان كل مدراء المدارس أولها : لماذا الرفض للقوائم المكتوبة بالحاسوب ؟ والثاني لماذا لا يتم إجراء مزايدات علنية في المدارس لبيع المواد المستهلكة وفق القوانين النافذة والمعمول بها ورفع هذه المعاناة عن كاهل المدراء الذين من حقهم أن يتذمروا من هذه الإجراءات الروتينية التي لا تمت لا من قريب ولا من بعيد لواجباتهم كمدراء مؤسسات تربوية عليهم واجبات أهم من هذه، وهذه الواجبات ممكن أن يقوم بها أمين مخزن أو كاتب، والسؤال الأخير ماذا تفعل وزارة التربية بالكتب المدرسية القديمة ؟ ربما البعض سيقول ستتم إعادة تصنيع ورقها، وهذا مستحيل لأن جميع معامل الورق في العراق عاجزة عن طبع دفتر واحد وكل ما يصلنا مستورد إما من سوريا أو اندونيسيا وموضوع عليه علامة وزارة التربية،ولنفترض جدلاً بأنها ستعيد تصنيعها فإن هنالك آليات أكثر مهنية وتتمثل بأن يتم تجميع هذه الكتب في كل قضاء من الأقضية دون قوائم استهلاك أصلاً لأن الكتاب المدرسي ليس سلعة معمرة وهو يستهلك فور تسليمه من قبل المدرسة للتلميذ على أساس أنه تم صرفه في محاضر توزيع رسمية وبالتالي فإن لا ذمة مالية أو مخزنيه لدى إدارات المدارس،وهذا الحال ينطبق أيضا على أشياء أخرى كثيرة حيث لا يمكن استهلاك الطبشور ولا يمكن استهلاك القرطاسية وهذا الحال ينطبق على الكتاب المدرسي أيضا. ولكنني وجدت ومن خلال استماعي لعدد كبير من إدارات المدارس بأن وزارة التربية ومن خلال هذه التصرفات فإنها تعبر بطريقة أو بأخرى عن رفضها القاطع للتطور وتشبثها بالمركزية الصارمة جدا والتي تسبب إرهاقاً كبيراً لشريحة مهمة هي مدراء المدارس، وهذا الإرهاق ليس فكريا وجسديا فقط بل مادي ويستنزف الكثير من مواردهم وربما يجعل الكثير منهم يفكر بمغادرة منصبه من أجل أن لا يكون جزءاً من حالة التخلف الإداري الذي تعيشه وزارة التربية التي من صميم واجباتها في القرن الحادي والعشرين هي نقل البلد إلى حالة استخدام تكنولوجيا المعلومات.
وزارة التربية وتكنولوجيا المعلومات
نشر في: 2 يوليو, 2011: 05:34 م