اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > عن كتاب "خريف المثقف"..الأخرس ينطق بالمحظور

عن كتاب "خريف المثقف"..الأخرس ينطق بالمحظور

نشر في: 3 يوليو, 2011: 08:13 م

عبد الخالق كيطانهذه ليست قراءة في كتاب، وإنما محاولة في التعليق على كتاب. محاولة أقرب ما تكون إلى شهادة. لقد كان يمكن لكتاب مثل كتاب الشاعر والناقد محمد غازي الأخرس المعنون: "خريف المثقف في العراق"، والصادر حديثاً عن دار التنوير في بيروت، أن يكون مجرد حديث في النميمة الثقافية. بل، وهذا محض اعتقاد شخصي، أكاد أزعم بأن كثيرين سينظرون إليه بالفعل بهذا الوصف ما دام الكتاب لم يوفر حادثة، ولو كانت صغيرة، في عقدين من الزمان عرفا بكونهما الأكثر التباساً في تاريخ المثقف العراقي المعاصر، إلا وتوقف عندها بالرصد أولاً، وبالتحليل ثانياً.
وميزة محمد الأخرس تكمن في شغفه بالتفاصيل. والتفاصيل هي التي تؤثث المشهد. لنقل بلغة المسرح: أن تفاصيل المشهد هي التي تصوغ الرسالة أكثر من الخطاب اللغوي، ذلك أن هذا الأخير مباشر على الدوام، وفج في الكثير من الأحيان. شبح التفاصيل يطارد محمد الأخرس، ويطارد غيره كما أزعم. في صندوق الرأس ثمة تفاصيل كثيرة جداً عن مرحلة صعبة عشناها معاً. لا أقول ذلك لأنني كنت شاهداً أيضاً، ولكن لأني أعتقد بثقة أن كثيرين غيرنا، أقصد أنا ومحمد، قد ملأوا رؤوسهم بالحكايات الصغيرة والقصص المبتسرة، وحوادث مهمشة وأخرى مسكوت عنها. أشدّنا شجاعة هو أكثرنا بصيرة، أقصد ذلك الذي يستطيع ترتيب تلك الأقاصيص في نسيج واحد متكامل لن يرضي أحداً بقدر قدرته على إرضاء الحقائق التاريخية، تلك التي لا لبس فيها ولا ظلم. يذهب كتاب "خريف المثقف" إلى أكثر تلك القصص ثانوية في لحظتها الماضية. يقف عندها متأملاً بعد أن يسجلها. وبعد ذلك يقوم باستنطاقها ليحصل على القصة الجديدة، تلك القصة الصعبة التي أنتجتها ظروف صعبة كان البقاء على قيد الحياة فيها يمثل انجازاً ما بعده انجاز. وبسبب من ذلك فإن إعادة مشاهدة فيلمنا الطويل، الكئيب والحزين والمليء بالخسارات، من جديد اليوم يمثل ضرورة مهمة تكشف لنا عن محن، وليست محنة واحدة، عاشتها الثقافة العراقية في عقدين وأكثر، مثلما كانت تلك المحن سمة مجتمع غرق في تفاصيل من اليأس والعدمية ما أوصله إلى ما هو عليه اليوم من ذبح بحد السكين لمجرد الاختلاف في الرأي أو لأن اسم المذبوح يشكل عداءً عقائدياً بالنسبة للذبّاح.يأخذ الأخرس، إذن، قارئه إلى عشرات القصص الثانوية التي لم يكن يخطر على بال أحد أنها ستكون عماد قصتنا الكسيرة هذه. وهو في نسيجه المفعم بالصدق الشخصي هذا قد تخرج منه رصاصة لتصيب مثقفاً هنا أو يضع أكليلاً من الزهور على جبين مثقف هناك. ولأنه يدري جيداً أن السيرة التي يدونها مسكونة بالرؤية الشخصية، يسارع في أول صفحات الكتاب ليقول: "إن الكتاب لن يرضي الكثيرين"-ص5. لا أقول: "الرؤية الشخصية" لكي أنال من الكتاب وقصته النهائية بل لكي أؤكد بأن الرؤية الشخصية هذه هي ميزة الكتاب. إن لكل منا رؤيته الشخصية للوقائع والأحداث التي يجادلها الكتاب، فما أراه حدثاً عابراً ذاك الذي عشته في يوم تموزي ساخن بمقهى حسن عجمي بشارع الرشيد قد يكون لغيري حدثاً مفصلياً. والأمر ينطبق على الكثير من الحوادث التي عاصرناها معاً. لكل منا رؤيته الشخصية بأزائها، ومن المؤكد أن كل رؤية من هذه الرؤى لن ترضي الكثيرين!يذهب محمد الأخرس إلى قصص لم يدونها أحد، أو أنها ذهبت في غياهب النسيان، أو أنها عدت مرحلية وقد انتهى مفعولها، ومن ذلك: قصة الأكاديميين الجدد، جماعة ليبيا، جماعة عمان، جماعة رفحا، تأسيس الملتقيات والاتحادات الثقافية في المنفى، توغلات عدي صدام حسين في الحقول الإعلامية والثقافية، صعود التيارات الشيعية الجديدة بموازاة التقليدية... ألخ.. هذه القصص ستكون عماد قصته الكبيرة، تلك التي نعتها بخريف المثقف العراقي. وهي قصة تبدأ فصولها، بحسب الأخرس، منذ سبعينيات القرن الماضي وتمتد لعقود وصولاً إلى انهيار الديكتاتورية في عام 2003. وهي فترة طويلة جداً بالنسبة إلى كتاب عدد صفحاته 240 صفحة من القطع المتوسط، وهو أمر صحيح، ولكن الصحيح أيضاً أن المؤلف لم يدع بأي حال بأنه مؤرخ، ولم يدع، أيضاً، بأنه يريد تغطية هذه الفترة بكل ما رافقها من حواديت وعبر، ما فعله الأخرس في "خريف المثقف" لا يعدو أن يكون "محاولة نجاة من "مركب سكران" والإصغاء إلى صراخ ركابه من بعيد"- ص8. والركاب، هنا، أكثر من أن يعدهم الأخرس أو غيره. وفي سرد الواحد منا سيرة حياته يمر على الكثير من التفاصيل، وينسى، بالتأكيد، تفاصيل أخرى. ميزة كتاب محمد الأخرس الأساس تكمن في قدرته المبتكرة على نسج تفاصيل عديدة قد تسقط من حسابات الذاكرة بالتقادم. صحيح أن الوثيقة تدعم عملاً من هذا النوع، الأمر الذي لم ينكره الأخرس، ولكن الصحيح في الوقت ذاته هو أن الذاكرة الندية المرفقة بلغة لا تتعالى على قارئها يضمنان، والحديث دوماً عن كتاب "خريف المثقف"، نتائج باهرة، الأمر الذي تحقق بشكل جلي في هذا الكتاب. الكتاب الذي أنعش ذاكرتي بالقدر الذي أضاف لي لهو كتاب حري بأن أضعه في مقدمة الكتب التي لا أستغني عنها. وأزعم بثقة وبكثير من التحية للمؤلف، أن كتاب "خريف المثقف" هو واحد من الكتب التي يصح أن نسميها كتباً تأسيسية. هو كتاب تأسيسي بمعنى أنه يفتح الأبواب على الكثير من الأمور التي عشناها، أو رافقتنا في معيشنا. لم نكن في غالب الأحيان نريد أن نكون أبطالاً لقصة ما، ولكن الكثير منا حشر حشراً في قصص وصار هو بطلها. كانت السنوات التي يتحدث عنها الكتاب سنوات صعبة بالفعل، ولعلني كررت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram