TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > المجتمعات الإنسانية المختلفة.. وتحديات القرن الحادي والعشرين ...

المجتمعات الإنسانية المختلفة.. وتحديات القرن الحادي والعشرين ...

نشر في: 3 يوليو, 2011: 08:20 م

عبد المجيد حسن شياع في حزيران من سنة ((1994)) ، نشر المؤرخ البريطاني المشهور ((بول كندي)) كتابا بعنوان (( الاستعداد للقرن الحادي والعشرين))، تحدث فيه عن التحديات التي ستواجه المجتمعات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، كالانفجار السكاني، وثورة التكنولوجيا الكبيرة، والمال، والزراعة والمياه والتعليم، وثورة التكنولوجيا الحيوية، والروبوتات ودورها في الثورة الصناعية الجديدة، وعن تأثيرات القوة الصناعية لليابان، والصين والهند والبرازيل ، والثورة الصناعية الآسيوية، وعن الرابحين والخاسرين من التطورات العالمية، وعن تخلف الأنظمة السياسية عن استيعاب التقدم الصناعي .
ولم يخصص ((كندي)) للحديث عن العالم الإسلامي والمسلمين سوى أربع صفحات من كتابه ، يصف فيها مستقبل المسلمين ومجتمعاتهم بتشاؤم كبير ، استنادا إلى مرارة واقعهم المتخلف الذي يتخبطون فيه منذ قرون ، من دون أي بارقة أمل في خلاص قريب ، ويقول: (( إنه بعيدا عن الاستعداد للقرن الحادي والعشرين ، يبدو إن معظم العالمين العربي والإسلامي يجد صعوبة في التعامل حتى مع القرن التاسع عشر بمبادئه العلمانية وديمقراطياته وأسئلته الفكرية)) ، ويذهب إلى أبعد من ذلك عندما يعتبر هذين العالمين مثالا عالميا وتاريخيا لأي مجتمع لا يستجيب للتطور العلمي الحديث في شتى مجالاته .و((كندي)) ليس الوحيد الذي يقول هذا الرأي المستند إلى الإحصاءات والبحوث العلمية المعاصرة ، بل إن جميع الباحثين والمؤرخين في العالم ككل مجمعون على هذا الوصف ، ومنهم المؤرخ (( برنارد لويس )) في كتابه الأخير (( أين الخطأ ؟ )) والذي نشر في سنة ((2002 )) ، وكذلك المؤرخ (( أرنولد توينبي )) في محاضراته التي ألقاها بمصر في ستينيات القرن الماضي ، وتساءل فيها مرارا عن سبب تخلف العرب والمسلمين ، بالرغم من التحديات الكثيرة التي يواجهونها وإمكاناتهم المادية والبشرية الكبيرة ، كما إن التقارير التي تنشرها الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة ، كتقارير التنمية الإنسانية العربية السنوية مثلا  تساند هذا الرأي .وأمام هذا الوضع المأساوي والتشاؤمي ، فلا بد لأي مسلم أن يطرح على نفسه هذا السؤال الجوهري والملح وهو : ((هل تكمن علة التخلف في قصور عقول المسلمين عن إدراك المعاني الحقيقية والعميقة لتعاليم الإسلام  أم إنها تكمن في القصور الذاتي لتعاليم الإسلام عن مواكبة التطور البشري والتكيف مع حقائقه العلمية ، وتطلعات الإنسان المستقبلية ، والمساهمة في تقديم الحلول المجدية لمشكلاته المادية والروحية والذهنية في زمن يخضع فيه المجتمع الإنساني كله لتبدلات عميقة وسريعة في مفاهيمه وأخلاقياته وعاداته وتقاليده وثقافته وأسس تفكيره؟وهذا السؤال ليس بجدي ، إلا إن الإجابة عليه تزداد أهمية يوما بعد يوم ، نظرا للمكانة الاستراتيجية التي يحتلها العالم الإسلامي في الجغرافيا البشرية والاقتصادية المعاصرة من ناحية ، وإلى اعتقاد المسلمين الراسخ بتعاليم الإسلام كمنهج أبدي للحياة وللمجتمع ككل، كما يتوقع الخبراء والمحللون من ناحية ثانية.ويشكل المسلمون اليوم كتلة بشرية ضخمة جدا يقدر تعدادها بأكثر من مليار ونصف المليار شخص ، أي نحو ربع سكان العالم تقريبا ، يعيشون في بقاع شاسعة من الأرض ، ويحوي بعضها ثروات طبيعية هائلة تشكل عصب الحياة وتطور الإنسان المعاصر ، ومع كل ذلك فما زالوا إحدى الخلايا الميتة في حركة التطور الحضاري المعاصر ، وهذا مادفع بعض الإصلاحيين المسلمين في القرنين التاسع عشر والعشرين إلى محاولة تجديد مفاهيم الإسلام للتكيف مع متطلبات العصر ، ظنا منهم إنهم يستطيعون بذلك إنقاذ المجتمعات الإنسانية من سباتها وتخلفها اللذين طال أمدهما ، لكن جهودهم لم تعط الآمال المرجوة كما يؤكد الواقع المرير لهذه المجتمعات. ولقد أكدت جميع الأبحاث الرصينة والمحايدة  إن الأمية والجهل والفقر والبطالة وزيادة المواليد وتصحر الأراضي وبدائية الإنتاج وسوء استغلال الموارد الطبيعية والكبت السياسي والاجتماعي ومصادرة الحريات وتخلف وسائل المعرفة والمواصلات بمختلف أنواعها والتي تشكو منها المجتمعات الإسلامية ، وكلها مشكلات من صنع الإنسان وحده وليست مصدرا دينيا.لذلك فإن أول وأهم خصائص الحياة الغربية المعاصرة هي حب الاستطلاع والعلم ، حيث يقول ((أرنولد توينبي)) ، وهو أحد أعظم المؤرخين المعاصرين في إحدى محاضراته: (( إن حب الاستطلاع في الغرب اتجه منذ القرن السابع عشر إلى مجال البحث العلمي الموضوعي المنزه ، وقد أدى قيام هذه الأبحاث على أسس منهجية دقيقة إلى ظهور نتائج علمية مثيرة تفوق حد الخيال ولم يحلم بها الباحثون الأوائل)) . ويعتبر هذا الاستطلاع العلمي المنزه عن الغرب السبب الرئيسي لعلو مكانة الغرب في العالم الحديث ، وقد أدى تطبيق تلك الأبحاث العلمية في الصناعة إلى نشوء التكنولوجيا الحديثة والإنتاج الآلي ، وأثبت هذا الإنتاج منذ بدايته في نهاية القرن الثامن عشر وحتى الآن بأنه وسيلة مذهلة لتطوير الحياة المادية للمجتمعات البشرية المختلفة ونشر الرفاهية في ربوعها ، وقد استطاع الغربيون بعد جهود علمية كثيفة استئصال الفقر والأمية وكذلك الكثير من الأمراض الفتاكة من مجتمعاتهم ، وتحقيق القدر الكبير من التنسيق بين الحرية والنظام فيها ، فكانت كل هذه المنجزات الرائعة ، كما يقول ((برتراند راسل)) في كتابه ((آمال جديدة في عالم متغير))، فتحا جديدا في تاريخ البشرية جمعاء ، وأمثلة حية لمعالجة مشكلات التخلف الإنساني والقضاء على أسبابه.وقد كان معظم العلماء والمفكرين ا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram