محمود النمرمنذ الأزل.. الطغاة يعيشون في قصورهم العالية، ينظرون من بروجهم العاجية ، لا يسمعون أنين الشعوب الكادحة ،هم قساة القلوب، عيونهم شاخصة إلى الأعلى ،هم في عالم آخر يزرعون الفتنة وينصبون فخاخ الرذيلة ، ويوزعون حصة القتل على المدن ،ويرسمون بالدم خرائط َ للمقابر.
كان السيّاف في العصور السالفة المتنفذ الوحيد الذي يعلّق الرؤوس في متحف الملك ،ويعرف في أي جهة دفنت تلك الأجساد، التي تمردت وتعالت أصواتها في الشوارع ، لتحرض الشعوب على الانتفاضة ضد المملكة وضد "صاحب الجلالة " وكان الملك هو الذي يستدعي الشعب الى ساحة الإعدام ليشاهدوا كيف تتهاوى الرؤوس في لحظة القصاص البشعة ، وهو يتلذّذ لنزيف دم الضحية ،الجلاد يشرب نخبا ًمن بركة الدم .الضحية تجحظ عيناه بتعجب!! حين يرى الناس يصفقون في لحظة الموت ،وهم الأضاحي التي تنحر على درب الحرية في المرة القادمة.وبعد تقادم الأزمنة وتطور آلات القتل التي شملتها التكنولوجيا بنماذج جديدة مخيفة ، مثل أحواض الأسيد "التيزاب " وآلات تقطيع الأجساد في "المثرمة " والصعق الكهربائي والقتل بالسم الزعاف والشنق بالحبال الغليظة وغيرها من الميتات التي يتففن بها جلاوزة الطغاة ، او القتل الجماعي في الحفر وردم الأرواح البريئة بالتراب بواسطة "الشفلات " مثلما حدث في انتفاضة آذار 1991عندما دفن زبانية صدام والبعث الآلاف من المشتركين في الانتفاضة او حتى الذين لم يشتركوا لتخويف الشعب بعدم التظاهر مرة أخرى ،أو تشريد الناس وردم مساحات الاهوار،وما آلت إليه الأمور بعد أكثر من عشرة أعوام من سقوط الطاغية بعدما اشتركت جيوش حلف الناتو بقرار من مجلس الأمن لإسقاط الصنم .الطغاة أصحاب العيون الدامية والوجوه المخيفة الذين تناسلوا منذ بدء الخليقة، يتناسلون كالتماسيح ، مثل الاسكندر المقدوني - وكسرى – وقياصرة روسيا – والحجاج – وهتلر – وموسوليني – وستالين – وفيدل كاسترو – وهيلاسي لاسي – وبوكاسو – والنميري – وصدام - وحسني مبارك – والقذافي وعلي عبد الله صالح وغيرهم من التماسيح الذين يبتلعون ضحاياهم في الخفاء.حين تنتفض الشعوب يبرم الطغاة شواربهم ويسلّون سيوفهم وبنادقهم او يصوبون مدافعهم الى صدور الجماهير، وحين تتهاوى الأرواح مثل النيازك واحداً تلو الآخر،ثم تكبر حجم الانتفاضة لتصبح ثورة ، وتفور الأرض تحت أقدام الطغاة ، تكبر كرة النار،وتكبر كرة الثلج ،وقتها تكون المواجهة وجهاً لوجه مع الطغاة ،وكلما تشتد الأزمة ،ويزداد صوت الرصاص، تتهشم القوى الشريرة شيئاً فشيئاً ،تبدأ من الحاشية وتتسع رقعة الهزيمة ،ربما تكون اللحظة المأزومة المتفجرة هي لحظة التغيير التي يبحث عنها كل شعب يعيش تحت القبضة الحديدية ،المحكوم بالعسكرتارية ،إنها لحظة تتويج الألم بتاج الغار وسعف النخيل وبيارق الحرية .ساعتها تبدأ الهزيمة في لحظة التمرد الصاخبة ،الشرطة تترك مواضعها ومراكزها، والجيش ينقسم إلى عدة أقسام بين مؤيد - ومتراجع - ونادم - ومنهزم – وثائر ينضم الى جموع المحتشدين في الساحات المتفجرة بالغضب .إنها اللحظة التاريخية التي تقلب الموازين المغلوطة وتخلخل العروش التي تكدست من جماجم الفقراء والكادحين.وأخيراً لا ينفع الندم ولا التراجع ولا المهادنة ولا الالتفاف ، إنها لحظة السقوط من الأبراج المشيدة بالجماجم ،أيها الطغاة استفيقوا من الغي ،فإن الرؤوس العفنة تكتسحها ريح التغيير في لحظة الانفجار،الرؤوس التي سقطت من العروش الخاوية هي عبرة لمن لا يعرف ما هي العبرة .
تخلخل العروش
نشر في: 8 يوليو, 2011: 07:18 م