اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > خصائص رواية منفى

خصائص رواية منفى

نشر في: 9 يوليو, 2011: 08:37 م

1-2سميرة المانعأمضى الروائي الايرلندي الشهير جيمس جويس ثلاثين عاما في الغربة، بين باريس وبرلين وروما، بعدها قرر العودة إلى بلده الأصلي ايرلندا. عندما سُئل عن شعوره وهو يعود بعد فراق ثلاثين عاما، أجاب : وهل أنا فارقت ايرلندا يوما؟! بالمثل هل فارق العراقيون المغتربون العراق يوما؟ ألم يتابعوه من أوّل نشرة أخبار صباحية حتى آخر نشرة أخبار مسائية، وهم يتلوعون بين قصفٍ، وحزام ٍناسف، سيارة مفخخة وتجفيف أنهر وفصل رؤوس نخيل البصرة عن أجسادها؟!  قلوبهم واجفة ، وكم منهم من عانى من أمراض قلبية، وأعصاب تالفة، وعيون ممتلئة بالسهر والقلق والتطير.
يخطئ مَن يعتقد بأن المنفيين أسعد حالا في الغربة لأنهم بعيدون عن المآسي. الواقع إنهم يعيشون المآسي بالضعف، كونهم يقارنونها بما هم فيه،  فتتضخم كما تتضخم نقطة سوداء على قماش ابيض.يقال "المنظر المتكرر لا يثير الانتباه" وهذا ما يعاني منه الغريب، لان  الأشياء الجديدة تصدم وتستفز حواسه على الدوام.  بسبب هذه الحيرة يلجأ إلى الماضي الذي أصبح بدوره غريبا،أو كما يقول كاتب انكليزي: "الماضي وطنٌ غريب". الحواس في بيئتها الاصلية تتواطن مع ما ترى وتسمع وتلمس وتتذوق، لكنها في الغربة مستفزة دائما  لانها في صراع اشبه ما يكون  بـ "صراع البقاء للأصلح".  نتيجة هذه الحيرة، لجأ  القصاصون  العراقيون المغتربون  إلى براءة الطفولة في البداية  .  ولكن قبل التمعن بهذه الثيمة لابدّ لنا من العودة باختصار إلى بواكير السرد العربي المغترب، وكيف أثر في السرد العراقي بعدئذ،  وهذا شيء مهم خصوصا ان الرواية بمفهومها الحديث ، انحدرت الينا من اقطار عربية ، تأليفا وترجمة، والأخيرة تاثرت بالرواية الأوروبية كما يظهر. تتبع ناقد حديث مسار السرد الروائي المغترب، وقسمه إلى مراحل: المرحلة الأولى وصول البطل الروائي إلى أوروبا دون معرفة بلغة البلد أو تأريخه أوجغرافيته كما في رواية توفيق الحكيم ( عصفور من الشرق) الصادرة في الثلاثينات من القرن الماضي، والمرحلة الثانية يكون البطل الروائي قد ألمّ باللغة الاجنبية كما في قصة يحيى حقي بعنوان (قنديل ام هاشم)  وعاد إلى وطنه ليوفق بين ما تعلمه بالخارج  في علم الطب وما يطبق بالداخل من ممارسات شعبية بالاعراف ، المرحلة الثالثة أكثر نضوجا تمثلت برواية الطيب صالح ( موسم الهجرة للشمال) حيث كان البطل مصطفى سعيد يتقن الانكليزية  اتقانا تاما قبل وصوله إلى لندن وغادرها ليعيش في بيئته القديمة بالسودان راضيا بالنهار وعائدا إلى  صومعته الانكليزية الثقافية  في غرفته الخاصة ليلاً.المرحلة الرابعة هي المرحلة الراهنة، أبطال الروايات المغتربة يعيشون في المهجر فترة طويلة. عليهم أن يتكيفوا بصورة ما .  زمن  النفي  طال لسنوات وسنوات،  بالإضافة إلى الشعور بالمجهول الغامض القادم الموجود بأعماقهم الدفينة.  يتعمق البعد  طالما امتدت فترة القمع بالوطن الأصلي متلازمة مع  استمرار انعدام الخلاص . فلا غرابة أن يحنّ الكتّاب في البداية،  كما ذكرنا ،  إلى براءة الطفولة وبساطتها. لجأ المغتربون إليها في كتاباتهم الأولى  للخلاص من التعقيد ولينجوا من الكآبة، وكأنما أثقلت كواهلهم السياسة وآفاتها.  هنا لا تخفى صعوبة  الإلمام بروايات المنفى كافة، كون أصحابها تفرقوا بأنحاء المعمورة ولفترات مختلفة.  مع هذا لابد من المحاولة، ولو بصورة عامة، لإعطاء صورة تقريبية عن ثيمات رئيسة لبعض روايات منفى علها تساعد في تتبع مساراتها وفهم مضامينها،  باختصار كبير، دون ذكر للروايات والأسماء،  من أجل الإنصاف في التقييم .لحسن الحظ، معظم كتاب المنفى اليوم موجودون في بلدان ديمقراطية مهتمة بحقوق الإنسان حيث  حق حرية التعبير محترمة.  سييسر هذا لنا  تتبع تطور ما جرى لنصوصها والتغييرات التي حفلت بها نتيجة العيش بشكل فيه الكثير من الشفافية والوضوح.   سنجد، آنئذ، أنهم في المرحلة الاولى من  ابتعادهم عن أوطانهم يكونون كثيري الالتصاق ببيئتهم الأصلية، تراهم أكثر تطرقا لمضامين متعلقة بماضيهم، متذكرين طفولتهم ، أصدقاءهم في المدرسة، الأم، الجدة، المدينة، القرية..الخ.  هم تواقون ، دوما، في البحث بين ثنايا الماضي كمن  يحاول استعادة وضع يتعذر استرداده الآن.  خصوصا أن الذاكرة البشرية تحمل الماضي كحقيبة يد متنقلة.  يظل المنفيون متعلقين بها ، بطريقة أو بأخرى نابضة بالحياة،  كأطفال متصلين بأمهاتهم عضويا عن طريق حبل السّرة.  تصبح اللغة هنا عامل تأكيد وتثبيت للماضي ، لدرجة أنها قد تفوق حاستي اللمس والبصر.  يسرع المنفي للانتشاء  أثناء التقاطه نغمة الفاظها، ينطق بها أحد ما قربه، أحيانا.  يسمعها، خطفا، أثناء مروره بالأسواق بالبلد الغريب.  يسمع كلماتها المألوفة لديه، فتثيره وتستفزه فورا، ليبدأ وعيه باستعادة طفولته وشبابه منتعشا بشكل غريب غامض . يجب ألا ننسى أن الذاكرة ليست حيادية معظم الوقت،  فهي تنحو  للانتقاء والحجب وطمس اللامرغوب فيه.  تبق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram