TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الثورات الحديثة وأثرها فـي تغيير مسار التاريخ

الثورات الحديثة وأثرها فـي تغيير مسار التاريخ

نشر في: 18 يوليو, 2011: 06:56 م

أوس عزالدين عباس كان القرن الماضي قرن الثورات بأوسع وأدق معاني الكلمة، فقد شهد عدداً من الثورات التي غيرت مسار التاريخ وأدخلت تعديلات جذرية في حياة الشعوب التي قامت بها، وكانت لها نتائج مهمة على بقية دول العالم، فقد كانت هناك ثورات في روسيا وفي الصين وكوبا وفي دول شرق ووسط أوروبا والمكسيك، والثورة الإيرانية التي أدت إلى سقوط الشاه، هذا كله بالإضافة إلى ثورات العالم الثالث وخاصة في إفريقيا بعد الحرب العالمية الثانية، علاوة على حروب العصابات المسلحة،
 وكل هذه الثورات أدت إلى حدوث تحولات كبيرة وخطيرة في طبيعة العلاقات السياسية بين دول العالم المختلفة، إلى جانب التغيرات الهائلة في التنظيمات الاجتماعية داخل المجتمعات التي قامت بتلك الثورات، والظاهر إن هذا المد الثوري سوف يظل مستمرا خلال القرن الحالي، وإن يكن لأسباب مختلفة، وسوف تكون له نتائج أكثـر عمقاً وأوسع انتشاراً نتيجة للتطورات التكنولوجية الهائلة وخاصة في مجال الاتصالات الإلكترونية ودورها الفاعل في تشكيل حياة البشر على مستوى العالم ككل .إن تاريخ الإنسانية هو بشكل ما تاريخ الثورات العارمة في الكثير من جوانبه المختلفة، فقد كانت تلك الثورات دائماً عاملاً حاكماً في التقدم والارتقاء وسبباً مباشراً في اختفاء بعض صور وأساليب الحياة وظروف عامة راسخة منذ وقت طويل، والتمرد على تلك الأساليب ونبذها ورفضها وظهور أساليب وشروط أخرى لحياة جديدة قد تختلف قليلاً أو كثيراً عن الشروط القائمة بالفعل، ولكنها تتبع قيام أوضاع جديدة ومغايرة تماماً لما هو سائد .وقد وجد موضوع الثورات هذا مجالاً واسعاً في كتابات علم الاجتماع السياسي، وانتقل هذا الاهتمام إلى الكتابات الأنثروبولوجية بعد الحرب العالمية الثانية، وقيام الثورات في الدول الإفريقية الحديثة العهد بالاستقلال، وإساءة الرؤساء الأفارقة استخدام السلطة، وتفشي الفساد والمنازعات القبلية بعد انتهاء عصر الزعماء الأوائل الذين قادوا حركات المقاومة الوطنية ضد القوى الاستعمارية .وقد أفردت بعض الجماعات الكبرى في الخارج مقررات دراسية كاملة لتدريس مادة الثورة، كما حدث في جامعة (( هارفارد )) على سبيل المثال، وظهرت كتابات مهمة في ذلك، ربما كان من أبرزها ما كتبته أستاذة علم الاجتماع في تلك الجامعة (( تيدا سكوكبول ))، في كتابها بعنوان (( الثورات الحديثة والثورات الاجتماعية ))، والذي صدر في عام (( 1979 ))، والذي يعتبر البداية الحقيقية لاهتمام الجامعات بموضوع الثورة، والذي تبين فيه إن الثورات الاجتماعية هي تحولات جذرية عميقة وسريعة، وقد تكون مفاجئة وغير متوقعة ويترتب عليها تغيير الأبنية والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكنها تغييرات تحظى بقبول وتأييد الجماهير الكبيرة التي تعاني الظلم والاستبداد والتهميش، وقد تلجأ إلى العنف لتحقيق تلك التغييرات المنشودة، وإن تكن هناك ثورات بيضاء بحسب التعبير السائد .وفي عام (( 2005 )) ظهر كتاب للأستاذ (( جون فوران )) بجامعة (( هارفارد )) عن (( الثورات الاجتماعية العالمية ))، وفيه يذكر إن هناك مالا يقل عن تسع وثلاثين حركة اجتماعية تحولت إلى ثورات سياسية غيرت نظام الحكم في الكثير من الدول وخاصة في دول العالم الثالث، وقد اندلعت كلها من إحساس بعض القطاعات في تلك المجتمعات بالاستبعاد من المشاركة في اتخاذ القرارات المؤثرة في حياتهم والشعور بالاغتراب داخل أوطانهم، فالأسباب غالبا ما تكون داخلية مع احتمال وجود بعض المؤثرات الخارجية، ولكن الذي يميز معظم هذه الثورات الحديثة والتي يشهدها العالم الآن، هو إن الذين يقومون بها ينتمون إلى الطبقات الوسطى المثقفة، ومن سكان المدن الذين يدركون معنى وأبعاد حقوق الإنسان ويبدو إن عناصر التذمر والتمرد تتجمع وتتراكم على مدى سنوات طويلة، ولكنها تكمن تحت ستار زائف من الهدوء النسبي والرضا الظاهري الأقرب إلى السلبية واللامبالاة، ثم تنفجر فجأة لأسباب قد تبدو وهمية، أو لاتنذر بالانفجار كما حدث في الثورة التونسية، والتي صدرت منها الشرارة الأولى التي أشعلت الأوضاع الحالية في أنحاء عديدة من العالم العربي الآن .فالثورة إذن تمثل عملية قطع أو كسر في مسار الأمور والانتقال الفجائي السريع من النظام التقليدي السائد والمتوارث، وربما منذ عقود طويلة جدا، إلى نظام جديد قد يكون مخالفا ومناقضاً تماماً لما هو قائم الآن، أي إنها لاتستهدف تغيير الأشخاص الذين يتولون إدارة شؤون المجتمع بالطريقة التي دفعت إلى التمرد  والثورة بقدر ما تهدف إلى تغيير كل أساليب الحياة والمبادئ التي يقوم عليها بناء المجتمع، وهذا لا يعني نهاية التطور الاجتماعي بقدر ما يعني بداية مرحلة جديدة وشكلاً جديداً من التطور، على اعتبار إن تاريخ المجتمع هو سلسلة متواصلة من الحلقات، بالرغم مما قد تتعرض له من انكسارات تغير المسار المألوف لها، إنما تعبير غاضب وصاخب في نفس الوقت ضد الأوضاع التي تحرم الجماهير العريضة من حقوقها التي تفرضها وتحددها القيم الإنسانية والمبادئ العامة التي تضمن لهم عضويتهم في المجتمع الوطني أو القومي، بل والمجتمع الإنساني بشكل عام، وتعطيهم الأمل في حياة جديدة تراعي تلك المبادئ والقيم، فالثورات الحديثة حركات تقدمية تقوم بها الشعوب لاستعادة حقوقها المسلوبة، وكثيراً ما تؤدي إلى تغييرات أيديولوجية عميقة وليس فقط تعديلات في بعض النظم والعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتما

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram