رزاق عدايلا يهمنا هنا من يكون الذي قتل في إحدى مدن باكستان أهو بن لادن أم غيره، رغم أن الوقائع ترجح الرأي الأول، ولكن الأهم والذي نرمي إلى بلوغه هو طبيعة الظاهرة " الـ بن لادنية" كظاهرة أصولية مثلت قمة الهرم في الستراتيجية الإعلامية في مفهوم الإرهاب الذي ارتبط مؤخرا كثيرا بالإسلام الأصولي الذي تزعمه ودعمه بن لادن الرجل السعودي الأصل البالغ الثراء. فلقد أصبح اسم هذا الرجل مقلقاً للغرب برمته وفي المقدمة أميركا، التي ألحق بها وفي عقر دارها تهديما ماديا ومعنويا لم تشهده على مدى تاريخها الحديث،
فأحداث 11 أيلول 2001 أصبحت رمزا يشير إلى تحول في مسار التاريخ، فهناك تاريخ قبل 11 أيلول 2001 وما بعده، ومن تداعيات هذا الحدث الجلل هو إسقاط نظامين، الأول :هو نظام طالبان في أفغانستان الذي احتضن بن لادن، وربما رسمت الخطط لهذا الحدث بمساعدته، ومن ثم إسقاط نظام البعث في العراق تحت ذريعة العلاقة بين هذا النظام ومنظمة القاعدة التي يتزعمها بن لادن إذ كان التوقع أن العراق يمتلك أسلحة للدمار الشامل وربما تقع في أيدي هؤلاء الأصوليين.إذن كان الإعلان عن مقتله حدثاً ضخماً غير مسبوق، حتى أن وكالات الأنباء والفضائيات العالمية وكل وسائل الاتصال ظلت ولأيام في غمرة مواكبة كل صغيرة وكبيرة عن هذه الواقعة الضخمة. ترى ما مدى التأثير الذي سوف يتركه غياب هذا الرجل على مستوى النشاط الإرهابي للقاعدة أو عموم التطرف الإسلامي، والذي كان يتقدم روافد مصطلح الإرهاب الذي أصبح الشماعة الرجراجة والأخطبوطية. فمفهوم الإرهاب قديم ولكنه لم يكن بهذه السعة، فقد كان إرهاب أفراد ومنظمات محدودة الإمكانات أهدافها على الأكثر الاغتيالات لشخصيات مهمة أو بعض التفجيرات المحدودة، ولكن هذا المصطلح بات يتوسع ويتمدد كثيرا في العقود الأخيرة.إن الموجة الكبيرة للإرهاب انطلقت في أواخر الثمانينات وكادت أن تنتشر في أنحاء العالم كافة وبرزت وكأنها محفزة بمجموعة من العوامل في مقدمتها: انحسار الأيدولوجيات الكبرى (الماركسية والقومية) والوهن الذي أصاب فصائل حركات التحرر في العالم.فالقاعدة أسست في أواخر الثمانينات وبالضبط عند انسحاب القوات السوفيتية آنذاك من أفغانستان، وفي عشية الانهيار السوفيتي وشيوعية شرق أوروبا، وتصاعد مفهوم الليبرالية كخطاب منتصر معلنا عن تفوق أمريكا ودافعا إياها للرقص بحماس بأن نهاية التاريخ قد رست عند مفاهيمها. وهنا هو التحول التاريخي الكبير الذي أنتج مجموعة من المفاهيم التي اقترنت بالانتصار الليبرالي مثل خطاب الديمقراطية والعلمانية والنظام الدولي الجديد. وفي نفس الوقت كانت هناك قوى جديدة اندفعت في القطب المضاد في هذا التحول الكوني الكبير، منها الإسلام الأصولي، .... ولنتتبع التاريخ القريب.... أعتقد أن بن لادن كظاهرة هو صنيعة أمريكية وبامتياز ولكن في واقع دولي خاص، في غمرة الحرب الباردة التي خاضتها أمريكا ضد الاتحاد السوفيتي السابق، وبالحس البراغماتي الذي تتمتع به السياسة الأمريكية عبر تاريخها السابق والراهن وجدت أن من المناسب توظيف كل الممكنات لتحقيق النجاح العملي ألا وهو إيقاع أكبر قدر من الأذى بالمنظومة العسكرية السوفيتية، لقد دافع زبيغنيو بريجينيسكي مستشار الرئيس الأمريكي كارتر لشؤون الأمن القومي عن دعم أمريكا للحركات الإسلامية الأصولية بوصفها خطوة استراتيجية أدت إلى تحقيق هذا الهدف النبيل الذي هو تقويض إمبراطورية الشر الاتحاد السوفييتي، فكان تجنيد الإسلام الأصولي السياسي المعادي جذريا للشيوعية هو أحد هذه الممكنات، فبادرت إلى استغلال هذه الحلقة وبحدها الأقصى، لا سيما وإن دعما ماليا يضاهي الدعم الأمريكي يمكن الحصول عليه من السعودية يمنح إلى ( المجاهدين) بالإضافة إلى مصادر أخرى، شكلت موارد هائلة لدعم المقاومة ضد الاتحاد السوفيتي لأفغانستان. في هذا الوقت كان بن لادن قد شد الرحال إلى أفغانستان في عام 1979 بهدف (الجهاد المقدس) ،وهذه الفترة تمثل ذروة المودة بين الإسلام السياسي والغرب، فاستطاع هذا الغرب أن يحول المناطق الشمالية من باكستان كمنصة انطلاق للمجاهدين وكان الغطاء الأيديولوجي متوفرا في ( جماعة إسلامي) التي أسسها الداعية الأصولي الباكستاني " أبو الأعلى المودودي". وكانت هذه الفترة بين انسحاب القوات السوفيتية في سنة 1989وسقوط الاتحاد السوفيتي تمثل تحولا دوليا – تاريخيا- شهد انهيار منظومة كبرى في التاريخ الحديث مقابل انتصار منظومة أيديولوجية مقابلة مما ترتب عليه متغيرات ضخمة استدعت إحداث متغيرات في الرؤية ليس في مجال السياسة فحسب إنما في مجال الحياة على وجه العموم. فالمذهب الأصولي ( المودودي مثلا) وتعاليمه تستهدف بعث أصول التعاليم الإسلامية في القرآن والسنة في كل أنحاء العالم، والخطر الجسيم الآخر في تعاليمه هو إغلاق باب الاجتهاد الذي كان الأساس في نهضة الحضارة الإسلامية في قرونها الأولى ( 700 – 1200 م ) أمام الجميع باستثناء قلة منتقاة من المسلمين، وقد عنى ذلك أن نخبة ضئيلة منهم يجب أن تكون لها سلطة الفتوى في الشؤون الإسلامية، وهذه القلة ليست شيئا آخر سوى النخبة الأصولية المتطرفة. عند عودة بن لادن إلى بلاده السعودية استقبل لأول مرة بحفاوة، إلا أن هذا الوئام لم يدم طويلا. لقد وقفت الأصولية بالضد من مفاهيم أميركا الجديدة، لذلك تبد
هــل تــوارت ظــاهــرة "بــــن لادن"؟
نشر في: 20 يوليو, 2011: 05:16 م