اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > عـن الأمـريكــان فـي بيتـي.. ملاحظات بشأن المخيلة والدهشة

عـن الأمـريكــان فـي بيتـي.. ملاحظات بشأن المخيلة والدهشة

نشر في: 22 يوليو, 2011: 06:10 م

روفائيل شابا تسير رواية الأمريكان في بيتي باتجاهين :الأول أن الصحفي جلال وزميلته مناسك يحافظان على قلادة تاريخية تعود لزوجة الملك آشور بانيبال تسعى عصابة دولية مدعومة من ضابط أمريكي كبير الحصول عليها وتهريبها من العراق. أما المسار الثاني فهو انتماء الصحفي جلال إلى منظمة سرية خيرية عملت لقرنين على ترسيخ التوازن الاجتماعي ومكافحة الفقر والعوز، إلا أن رئيس المنظمة السيد صافي يحدث تغييرا جذريا
في توجه المنظمة اثر احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية ويرى أن إطعام الناس والإحسان إليهم لم يعد هدفا ساميا وان على المنظمة أن تغير أهدافها، لذا يعمل على توظيف أمواله الخاصة في فتح مكتبات وإقامة معارض فنية وتأسيس فرقة مسرحية وإحياء بيت تراثي وإنقاذ دار عرض سينمائي ويكلف الصحفي جلال بانجاز هذا، إلا أن هذه الأعمال ما تلبث أن تواجه بردة فعل من قبل قوى مسلحة تقوم بحرق مكتبة وتقتل صاحبها وتهاجم السينما وتعلن الحرب على المنظمة التي تخرج من السر إلى العلن في نهاية أرادها الكاتب أن تكون بمثابة ثورة الأحلام ضد التخلف والجهل.هذه باختصار أحداث رواية نزار عبد الستار الأخيرة " الأمريكان في بيتي " والتي صدرت مؤخرا ببيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ونالت اهتماما واسعا وهي تستحق هذا بجدارة، فعناصر الشد والمتعة فيها متكاملة فضلا عن الرسم الجميل للشخصيات وثيمة الرواية التي انفردت ببلورة قراءة جديدة للآخر البعيد والأنا المنحشرة في أزمة التحديات المصيرية. وإذا ما سلمنا بنجاح هذه الرواية فان الأمر لا يتعلق برأيي بتوفر عناصر الإمتاع العديدة وإنما يرتبط بأسلوب نزار عبد الستار الذي عرفناه قاصا يثير الدهشة في مجموعته " رائحة السينما " وبمجموعة مهارات يتمتع بها هذا الكاتب الذي يتميز بخصوصيته ومشغله الكتابي المثابر. لقد سمعت برواية الأمريكان في بيتي وأنا في السويد وعندما توقفت عند أصدقاء عراقيين في ألمانيا سمعتهم يتكلمون عنها وفي لندن استعرت نسخة مصورة من الرواية كانت بحوزة طبيب عراقي وصلته من بغداد. الرواية مثيرة بأحداثها وشخصياتها وهي مدهشة بسبب تمكن الكاتب من بناء عالم تتكامل فيه عناصر المخيلة مع الواقع. إن ما يميز نزار عبد الستار في تقديري هو مخيلته التي تعمل بنظام دقيق وتستند إلى تحليلات عدة،فظاهرة المخيلة عند هذا الكاتب تتمثل في قدرته على هندسة المشهد وفق دلالات موجهة فضلا عن توظيفه اللغة بتشبع شاعري وباستعمالات جديدة، ودليلي على ثراء مخيلة هذا الكاتب روايته الأولى " ليلة الملاك " والتي لابد من القول بأسف إنها رواية مظلومة أو لم يصادفها بعد الحظ الحسن. اعتقد إن ما يثير دهشتنا بشأن مخيلة نزار عبد الستار هو شبكية الترابط بين عناصر العمل الروائي، فهو يصنع مشهده بكمال يثير الإعجاب، فالأماكن والشخوص والحوار كلها مهندمة وفيها مستويات عدة من التماسك الدلالي.يوجد هوس عند نزار عبد الستار يدعوه إلى تعزيز قيم المدنية وأصولها يبدو جليا في رواية الأمريكان في بيتي. لقد منح الكاتب شخصية إبراهيم توسان سمات تدل على البراءة ونظافة القلب وسمو الروح وهو ذلك الارستقراطي الذي يعيش انكسارا ازدواجيا إلا انه يبقى رغم تمرده بمثابة اليد اليمنى للمعجزات. أما شخصية مناسك الصحفية / العشيقة فهي النموذج الذي يصنعه جلال بطل الرواية ليكون متوافقا مع نزعته البرجوازية ( إذا كان ييف سان لوران يفتخر بأنه وضع النساء في السراويل، فانا أتباهى بأنني وضعت مناسك على منصتها الحقيقية) ( ص 98 ) ونرى جلال يعمل على الارتقاء بمناسك إلى درجة الملوكية بان يجعلها حافظة لقلادة الملكة شمشو ومناسك بالمقابل تستجيب ونراها تحاول إرضاء نزعة جلال ( الكلاس ) وتخرج عن تكوينها الشعبي البسيط إلى أن تكون امرأة عصرية شديدة القوة والبأس ونراها تتوسل بجلال قائلة ( أرجوك لا اقبل أن يأتيك الحزن وأنا لست بجوارك ) ( ص 173 ) . وهناك شخصية كمال الذي ينجرّ إلى ممارسات انتهازية إلا انه يحتفظ بنبله وتكوينه الطبقي وثقافته ( كمال يحافظ دائما على بقعة صغيرة بيضاء في قلبه) ( ص 104 ) . وتبرز في المشهد أيضا شخصية السيد صافي وهو رئيس منظمة الدومنيكوس. الرجل الثري صاحب التعليم الأوربي الذي يقود حركة التغيير نحو التعليم والثقافة. وإذا ما توقفنا عند اسم الدومنيكوس فسنكتشف بسهولة الأثر البالغ الذي تركه الآباء الدومنيكان على مسار التحديث في مدينة مثل الموصل وهي التي تجري فيها أحداث رواية الأمريكان في بيتي. أدب نزار عبد الستار مثقل بالمعرفية ،وفي حقيقة الأمر لا توجد فقرة في رواية الأمريكان في بيتي خالية من الإثراء المعرفي، فالكاتب يزرع نقاط تذكير عديدة وإذا ما بحثنا في كل اسم وكل تفصيل فإننا سنجد إحالات ثرية إلى وقائع تاريخية تعيد بناء مدينة غير تلك التي نعرفها واعتقد إن نزار عبد الستار يختلف عن غيره من كتّاب الرواية بأنه يفكر بمستويات القراءة وهو حالم إلى درجة أن يغامر أحيانا ويندفع كليا بغنائيته الشعرية مستندا بذلك إلى الإيحاء وفطنة القارئ.لابد  من أن نتذكر هنا قصصا للكاتب من كتابه ( رائحة السينما ) مثل: تماثيل، وقبل أن يذهب إلى مصيره، وشمورامات. هذه القصص تمتاز بوجود سخرية شديدة الحزن وسخرية نزار عبد الستار تبدو واضحة في الفصل المعنون بالأرنب الأعور في رواية الأمريكان في بيتي. و

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram