عبد الخالق كيطانوأخيراً ستتدفق مياه نهر الوند إلى داخل الأراضي العراقية بعد أسابيع من قطع تلك المياه من قبل الجانب الإيراني. لم تنفع في الأيام الماضية الاحتجاجات والتظاهرات السلمية لردع الجار الإيراني ودفعه إلى التراجع عن قراره. كما لم تشفع البيانات التي وقعها المئات، وبعض تلك البيانات وقعها مثقفون معروفون، وطالبت الجار إعادة الحياة إلى نهر الوند الذي تم تجفيفه من خلال إنشاء السدود
وتحويل مجرى النهر، كما طالبته الالتزام بقواعد اتفاقية (رامسار) التي وقعت دوليا في مدينة (رامسار الإيرانية) في عام 1971 للحفاظ على المياه الطبيعية والأهوار وعدم الإضرار بالحياة البيئية لتلك المياه. وظل الناس في ديالى، على المناطق الحدودية، يخرجون في تظاهرات شبه يومية دون أن نعلم شيئاً عن المسعى الحكومي لحل الموضوع، إن كان ثمة مسعى بالفعل!ولكن الملفت للنظر أن الجانب الإيراني استجاب مؤخراً وبصورة مفاجئة للمطالبات الشعبية العراقية المتكررة. استجابة الجانب الإيراني جاءت بعد أن تلقى تهديداً صريحاً من قبل المواطنين مفاده: إذا استمر قطع الماء عن نهر الوند فإن العراقيين سيتعرضون لقوافل السياح الإيرانية الداخلة إلى العراق عبر المنطقة الحدودية في ديالى. ومن المؤكد أن تحذيراً من هذا النوع قد يشمل المنافذ الحدودية المختلفة من البصرة ووصولاً إلى أبعد نقطة في الشمال. وإيران تدرك جيداً أن التحذير والتهديد الشعبي هذا من الممكن أن يكون تنفيذه واقعياً أسرع بكثير من أي قرار من الممكن أن تتخذه الحكومة العراقية. فالناس لن يتهاونوا مع مسائل حيوية مثل الماء. لا يمكن أن يصبر أهالي مناطق شاسعة على نقص الماء في ظل واقع قاس بالأصل تلعب فيه الكهرباء دورها القاصم. وها هم لجؤوا إلى التهديد بصوت عال: الماء أو قوافل السياح، الأمر الذي دفع السلطات الإيرانية إلى التراجع عن قرارها وترك الماء يتدفق في هذا النهر. عارفون بكواليس السياسة الإيرانية يؤكدون أن من عادة تلك السياسة الرضوخ وعدم المواجهة كلما اشتدت حملة مطلبية. وبالتالي يحذرون من إمكانية تراجع الجانب الإيراني عن خطوته تلك ما ينذر بتأزيم مستمر للعلاقة بين الجارين. فمسألة أمن قوافل السياح الإيرانيين داخل العراق مسألة جوهرية بالنسبة لإيران والعراق على حد سواء، وهذا يعني أن العراق مطالب اليوم، وفي ظل هدنة مفترضة سببها إطلاق مياه النهر فعلاً، العمل على حل الموضوع بطرق سلمية دبلوماسية. ولأن نهر الوند يمر بأراض يقطنها كرد إيرانيون وكرد عراقيون، يصبح التفاهم بين الجانبين سهلاً للغاية مما يعقد من إجراءات الجانب الإيراني الرسمي في حال اتفق الأشقاء الكرد فيما بينهم على جانبي الحدود. ومسائل من هذا النوع من الممكن حلها دائماً بالطرق الدبلوماسية وبالاستناد إلى اتفاقيات دولية ومواثيق وعهود أممية. ولا أحد، على جانبي الطرفين، كما أزعم، يشتهي التصعيد في موضوع نهر الوند أو غيره. لقد أثبت المواطنون في المناطق المحيطة بالنهر في ديالى وغيرها قدرة المبادرة الشعبية على تغيير سياسات ودفع قادة إلى التراجع عن قرارات إذا ما تكرست فإنها ستتسبب بمشاكل عويصة لا أقل فيها من الحرب. والحروب بين البلدان إنما تستعر لأسباب بعضها أبسط بكثير جداً من عملية قطع الماء عن مناطق واسعة، كما هو الحال في قصة نهر الوند. ما نريده أخيراً، ونطمح إليه بصدق هو أن تبادر الدبلوماسية العراقية فوراً الى العمل على حلحلة هذا الملف. ولأهالي المناطق التي يمر بها النهر داخل العراق نقول: بوركت جهودكم. لقد بيضتم وجوهنا!
عين: نهر الوند
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 25 يوليو, 2011: 08:43 م