محمد صادق جرادتساؤلات كثيرة باتت تغذي أذهان المتابعين والمراقبين للمشهد العربي عن هوية هؤلاء الشباب الذين قاموا بالثورات في ربيع العرب الذي لم يورق لحد اللحظة ولم يسفر سوى عن إزاحة رأس النظام في مصر وتونس بانتظار تطبيق المفاهيم الديمقراطية الجديدة عبر آلياتها المطلوبة .
تساؤلات مشروعة للبعض عن هوية هؤلاء الشباب وانتماءاتهم وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية ومن أين جاءوا بهذا الزخم والعزيمة على الاستمرار والصمود ، هل تقف وراءهم قوى خارجية تقوي وتؤكد نظرية المؤامرة التي يتمسك بها الحكام ؟ تساؤلات كثيرة تطرحها الكثير من الدول لاسيما المجاورة لتلك البلدان خوفا من التأثر بطبيعة الأنظمة القادمة والتي سينتجها الربيع العربي .إلا أن الأمر الواضح للجميع والمتفق عليه هو إن هؤلاء استطاعوا أن يحققوا ما لم تتمكن من تحقيقه القوى الليبرالية أو اليسارية وجميع أحزاب المعارضة الأخرى والتي التحقت في ما بعد بالشباب ليكونوا معا في ساحات الاحتجاجات والثورات بالرغم من اختلاف الرؤى والمرجعيات ولينطلقوا معا من اجل بناء الدولة الحديثة التي تعتمد المفاهيم الديمقراطية التي غابت عن عقلية المواطن العربي لعقود طويلة. ومن يتابع سير الأحداث في مصر وتونس يكتشف بان هناك مخاوف جديدة بدأت تطفو على السطح من قبل الكثيرين , وتأتي هذا المخاوف من نية البعض اختطاف هذه الثورات وتوجيهها حسب ما يريد ومحاولة قطف ثمار ما زرعه الشباب ، وإذا ما أردنا أن نكون أكثر وضوحا نقول بان بروز الحركات الإسلامية والأحزاب الدينية المتطرفة كأكثر الحركات تنظيما وخبرة بالعمل السياسي إضافة إلى إنها تمتلك آليات عمل تمكنها من الحصول على تعاطف الناس وأصواتهم باسم الدين لا سيما ونحن نعيش هبوط الوعي الديني لدى الشارع في البلدين الأمر الذي سيجعل وصول هذه الحركات ( النهضة في تونس , والإخوان في مصر ) إلى البرلمان والى رأس الهرم في السلطة أمرا محتملا بصورة كبيرة . وخير دليل على هذا الكلام نجاح الإخوان المسلمين في مصر في أول اختبار بعد سقوط مبارك عندما استطاعوا كسب الشارع المصري بأغلبية كبيرة صوب التصويت على التعديلات الدستورية والحيلولة دون إعادة كتابة الدستور من جديد .ولا بد من الإشارة هنا إلى أن حصول هذه الأحزاب الدينية بكل أشكالها المتطرفة والأصولية أو المعتدلة على أغلبية في البرلمان سيمهد الطريق نحو دولة إسلامية بعيدا عن أهداف الثورة التي سعت الى تأسيس دولة مدنية حديثة مبنية على أساس المواطنة والولاء للوطن وليس للدين أو المذهب أو القبيلة , دولة يكون فيها الشعب مصدر السلطات وله الحق في اختيار الحاكم واستبداله وفق آليات ديمقراطية معروفة وسط تبادل سلمي للسلطة يأتي عن طريق الاحتكام لصناديق الاقتراع الشفافة والتخلص من نظام التوريث وتسلط الحاكم والشروع في بناء علاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم في دولة مدنية حديثة تحفظ للمواطن كرامته وتوفر له العيش الرغيد . ومن هنا تزايد الخوف من صعود تيار ديني متشدد يسير بالبلاد نحو التديّن باتجاه طائفي أو مذهبي متطرف يصادر الرأي الآخر ويعتقد انه المالك الوحيد للحقيقة في ظل تدخلات خارجية ودعم من قبل دول إسلامية معروفة بالتشدد . إلا أن هذه المخاوف لا تكفي ولا تبيح لأحد استبعاد أو تهميش هذه القوى الإسلامية، فالديمقراطية تعطي للجميع حق المشاركة في العمل السياسي ،لذلك يتوجب على الأحزاب اليسارية والديمقراطية أن تملأ الفراغ السياسي في بلدانها برؤى وقيم إنسانية عالية وان تلعب دورها المطلوب في توعية الجماهير وإقناعها بمضمون برامجها السياسية من خلال التوافق مع الشباب ومنظمات المجتمع المدني والتأكيد على أهمية اعتماد الآليات الديمقراطية الصحيحة التي يجب إدراجها في عقد اجتماعي يؤكد احترام حق الاختلاف وإقرار مبادئ التنوّع والتعددية التي يجب توثيقها في الدستور الجديد لتكون من أهم الأسس التي تقوم عليها الدولة المدنية الجديدة والتي سعى الشباب لتأسيسها وقدموا التضحيات من اجلها .
ثورات العرب وتساؤلات مشروعة
نشر في: 26 يوليو, 2011: 08:33 م