حسين علي الحمدانيعاد الحديث مجدداً عن الوزارات الأمنية، الدفاع والداخلية،والعودة هذه المرة جاءت برؤى مختلفة عما اتفق عليه الجميع من ضرورة أن تكون الداخلية والدفاع بعيدة عن الكتل السياسية ولكن يبدو بأن البعض يريدها قسمة جديدة، فتم طرح أسماء لم تطرح من قبل لشغل المناصب في هاتين الوزارتين.
ورغم إن التصريحات السابقة كانت تؤكد من كل الأطراف على إسناد هاتين الوزارتين إلى مستقلين غير مرتبطين بأحزاب ضمن الحكومة، وهذا يمثل حالة عدم الثقة التي ما زالت تحكم العلاقات بين شركاء العملية السياسية في البلد، وربما كان عدم الثقة هذا موجودا في الحكومة السابقة بحكم الظروف التي كانت سائدة آنذاك،إلا أننا نجد أن محاولة البعض من القوى السياسية إسناد الدفاع والداخلية إلى أشخاص خارج الأحزاب نابعة من مخاوفهم من استخدام الجيش والأجهزة الأمنية لأغراض أخرى غير واجباتها الوطنية، دون أن يفكروا في تداعيات هذا على مجمل الوضع الأمني في البلد في الظروف الراهنة. ويعرف الجميع أن رئيس الوزراء بموجب الدستور العراقي هو القائد العام للقوات المسلحة ويتحمل مسؤولية المحافظة على أمن الوطن والمواطن. وبالتالي فمن صميم واجباته الأساسية في تشكيل الحكومة هو أن يختار من يجدهم أهلا لشغل منصبي وزير الداخلية ووزير الدفاع. لا، بل من الضروري أن يختارهما ليكون هو وهما المسؤولين عن حفظ الأمن واستتبابه من جهة،ومن جهة ثانية كي لا يتقاطعوا في وجهات النظر كما حصل في فترات كثيرة في السنوات الماضية وتركوا آثارا سلبية كبيرة على الشارع العراقي وقد تبقى هذه التقاطعات موجودة الآن في ظل الأسماء المرشحة لشغل المناصب والمعروفة للمتابع للشأن العراقي بمدى تقاطع وجهات نظرها مع الطرف الآخر. ولو أمعنا النظر في هذين المنصبين الخطيرين في الكثير من دول العالم ومنها عالمنا العربي نجد أن وزيري الدفاع والداخلية هما الأكثر قربا من رئيس السلطة التنفيذية، سواء كان رئيس وزراء أو رئيس جمهورية أو ملكا أو أميرا. هذا في البلدان المستقرة، فكيف ببلد مثل العراق ما زال في طور البناء والتكامل وهاجس شعبه الوحيد هو استتباب الأمن واستكمال جاهزية القوات العراقية سواء الجيش أو الشرطة؟ مع وجود تحديات كبيرة من جهة ومن جهة ثانية بأن العراق محاط بدول تختلف رؤيتها للعراق وتختلف رؤية الكتل السياسية لهذه الدول وعلاقتها بها، ونادراً ما نجد سياسيا عراقيا يحتفظ بعلاقات جيدة مع دول الجوار كافة ، بل إن السياسيين في العراق منقسمون إزاء المخاطر التي تهدد البلد،فالبعض يرى بأن ميناء مبارك لا يمثل خطراً على العرق على سبيل المثال ، فيما يرى البعض الآخر عكس هذا،وبالتالي فإن وجود هذه التحديات والمخاطر مع وجود الانقسامات بين شركاء العملية السياسية من شأنه أن يزعزع أمن البلد أكثر من استقراره،ويقلل من فرص بناء القوات المسلحة العراقية،التي تتطلب أن يكون وزيرا الداخلية والدفاع من الذين يحتفظون بعلاقات طيبة مع الكتل السياسية أولاً ولهم حنكة سياسية مع دول الجوار العراقي التي لها شأن كبير في استقرار العراق .والمواطن العراقي يعي هذا جيدا ويسأل دائما: لماذا لا يكون وزيرا الدفاع والداخلية من الرجال المتمرسين الذين خبروا مواجهة الأعداء ولديهم الإمكانات التي تؤهلهم لشغل هذين المنصبين، خصوصا أن الكثير منهم أصبح مؤهلا بحكم التجربة والخبرة المتراكمة في السنوات السبع الماضية لأن يشغل هذا المنصب. ونحن هنا لا نريد أن نطرح أسماء بعينها بقدر ما نريد أن نؤكد حقيقة مهمة يتداولها المواطن العراقي تتمثل في سؤال: لماذا يريد البعض أن يجعل وزارتي الدفاع والداخلية بهذه الصورة التي هي عليها الآن؟ هل ثمة تخوف ما زال يساور البعض أم أنه محاولة لإبقاء الوضع كما هو عليه الآن، خصوصا أن البرلمان السابق رفض حتى تخصيص رواتب لبعض الأجهزة المهمة في القوات المسلحة، التي مارست دورها القتالي بشرف في مقارعتها الإرهاب والتصدي له. لهذا على جميع القوى الوطنية التي تطمح لاستتباب الأمن في البلاد أن تراجع حساباتها السابقة وتضع نصب أعينها مهمة بناء القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية بعيدا عن التحسس الذي يساور البعض ،لأن هذه الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة هي ليست ملكا لأحد بقدر ما هي ملك الشعب العراقي الذي يطمح إلى أن تتطور قواته وتتنامى قدراتها وتكون حامية للديمقراطية في البلد وراعية لها.
الداخلية والدفاع.. وهواجس عدم الثقة
نشر في: 26 يوليو, 2011: 08:34 م