عبد الخالق كيطانمؤسف أمر نخبة كبيرة من صحفيينا، أولئك الذين يقدمون مصالحهم الشخصية الضيقة على اية مصلحة أخرى، ولو كانت وطنية.شاهدت مرات عديدة أمثال هؤلاء وهم يستجدون (كارت أبو العشرة) لهواتفهم النقالة مقابل تغطياتهم في هذه الوزارة أو تلك الدائرة. كثير من هؤلاء يسهل شراؤهم وتوجيههم الوجهة التي يريدها صاحب القرار. فهم مسلوبو الإرادة أمام المال ولزوميات الوجاهة.. فهؤلاء يركضون وراء أبسط الأشياء التي قد يلوح لهم بها المسؤول، فما بالك لو كان الأمر يتعلق بقطعة أرض سكنية مثلاً؟
حاولت أن أعيد جوعهم التاريخي هذا إلى سنوات سابقة، عندما كانت هوية نقابة الصحفيين الممهورة باسم عدي صدام حسين تعادل ثمناً لا يقارن بثمن، ولذلك كان صحفيون عراقيون من مختلف الأجيال يركضون حد اللهاث حتى يحصلوا على نعمة الهوية تلك. شاهدت مرات ومرات صحفيين كبارا وصغارا وهم يتدافعون ينسحقون يوماً بعد يوم إثر تحولهم إلى أفواه لا تجيد غير شيئين: تمجيد الطغيان وتناول فضلاته. وبعد التغيير صارت مهنة الصحافة مهنة من لا مهنة له. صار العمل في مؤسسات صحفية، سواء تلك المكتوبة أو المرئية أو المسموعة، أسهل من أي عمل آخر. باستطاعة أي كان أن يعمل مراسلاً في فضائية عراقية، أو محرراً في جريدة "واسعة الانتشار"، لأن الموضوع لا يتطلب مواهب معينة أو شروط خبرة أو شهادة... وما إليه. كل ما في الأمر أن فراغات هائلة صارت في المؤسسات الصحفية، فراغات سببها ذلك الانتشار، غير المنضبط، لوسائل إعلام جديدة. وبالرغم من أهمية ولادة وسائل إعلام جديدة تليق بتجربة الانفتاح التي يشهدها العراق بعد التغيير، إلا أن ما حدث هو دخول نخبة جديدة من الجياع إلى هذا الوسط. نخبة همها الأساس الاسترزاق من خلال العمل الصحفي لا أكثر ولا أقل. صرت ترى "مراسلين" ببدلات أنيقة يحملون دفاتر صغيرة و"لوغوات" الوسائل التي يعملون بها.. أكثر ما يزعجهم العمل في القطاع الثقافي، لأنه بلا فوائد "تحت المنضدة"، ويصل الأمر ببعضهم، وهم من يطلق عليهم "الحيتان"، أن تكون علاقاتهم، التي سببها عملهم في الصحافة، مع العديد من المسؤولين الكبار، الذين يمنحون لهم الهبات بسخاء قل نظيره.من المؤكد أن هذا الصنف من العاملين في الحقل الإعلامي يكونون على استعداد لخيانة أي مبدأ، مهما كان نزيهاً، إذا ما تعرض لما يحصلون عليه من "إكراميات" تجيء ضمن سياق "رشوة" غير معترف به. وأعرف في هذا السياق صحفيين على أتم الاستعداد للدفاع علناً عن أبرز المفسدين في هذه البلاد، بالرغم من أن أعلى الجهات الرقابية تصنف هؤلاء بوصفهم مفسدين ينبغي التصدي لهم بكل جرأة، ولكن جماعتنا من صحفيي الأفواه المفتوحة لا يجدون في عمل هؤلاء أي مثلبة، وربما يعدونهم مثال النزاهة والشرف!إن العمل الصحفي هو رديف الرقابة، ولهذا يطلق عادة على العاملين في الصحافة تسمية السلطة الرابعة. ولكن المؤسف له في تحول عدد ليس بالهين من العاملين في هذا القطاع إلى نخب من المرتزقة يلتفون حول موائد المسؤولين، حتى ولو كانوا من صنف المسؤولين الصغار، طمعاً بأقل ما يمكن من هبات ورشى. أما أخلاقيات العمل الصحفي، والإعلامي، فهي ليست سوى بضاعة الفقراء.. ليس إلا.
عين: جياع بالفطرة
نشر في: 27 يوليو, 2011: 09:57 م