عدنان حسينمذعوراً كان يتحدث معي في ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية: "اليوم مرر المجلس في قراءة أولى مشروع قانون خطير"!.. المتحدث على الطرف الآخر من الهاتف هو صديق عضو في مجلس النواب. ولكي يثبت لي صدق قوله قرأ أثناء المكالمة الهاتفية العديد من مواد القانون المُقترح الخاص بخصوص جرائم المعلوماتية.
في رأي الصديق النائب أن أخطر مواد القانون صِيغت بلغة حمّالة أوجه وقابلة للتفسير المتشدد لإيقاع عقوبات قاسية في حق ليس فقط مرتكبي جرائم الإرهاب والغش التجاري وغسيل الأموال وإنما أيضاً ضد معارضي الحكومة، مثلما حدث مع قانون مكافحة الإرهاب.لم تُدهشني معلومات الصديق النائب ولا النصوص التي قرأها عليّ هاتفياً، فمنذ أن تولَت الحكومة الحالية السلطة تميّزت مشاريع القوانين التي رفعتها إلى البرلمان باستهدافها الحريات العامة والحقوق المدنية بما يقلّص كثيرا من الهامش الذي أتاحه الدستور على هذا الصعيد.الأحد الماضي كنت وعدد من الزملاء الإعلاميين في زيارة مجلس النواب لتسليم رئاسة المجلس مذكرة وقعها 200 زميلة وزميل تحثّ المجلس على إعطاء وقت أطول لمناقشة مشروع قانون حماية الصحفيين لكي يكون قانوناً متكاملاً ومتوافقاً مع الشروط والمعايير المهنية الدولية، وضامناً وحامياً لحقوق الصحفيين كاملة وفي مقدمتها الحق في الوصول إلى المعلومات بحرية والحق في بث هذه المعلومات والتعليق عليها بحرية، فضلاً عن ضمان حقوق الإعلاميين ليس فقط في ميدان العمل وعند المرض والإصابة والوفاة بسبب العمل، وإنما أيضاً داخل مؤسسته وخارجها لكي يعيش الصحفي بكرامة ويعمل بكرامة ويتقاعد بكرامة.في مداخلتي أمام رئيس المجلس السيد أسامة النجيفي ثم أمام نائب الرئيس السيد قصي السهيل قلت إن الشعب العراقي لم يقبض بين يديه في العهد الجديد منذ 2003 حتى الآن سوى الحرية، أما باقي الأشياء فهي قبض ريح .. فالديمقراطية والعدالة والتنمية والكهرباء والوظائف والصحة وسواها هي مجرد وعود مؤجلة. وزدت على ذلك بأننا نلاحظ منذ مدة هجوما حكومياً مضاداً على هذا الإنجاز الوحيد(الحرية)، وفي هذا الإطار جاء مشروع قانون حماية الصحفيين ثم مشروع قانون حرية التعبير والرأي والتظاهر السلمي .. ولو كنت أعلم أن مشروع قانون جرائم المعلوماتية مدرج على جدول أعمال المجلس هذه الأيام لأشرت إليه باعتباره ثالثة الأثافي.بعد انتهاء المكالمة مع الصديق النائب حاولت الحصول على نص مشروع القانون الأخير، فذهبت إلى موقع مجلس النواب الإلكتروني ولم أجد سوى إشارة له في خبر أعدّ عن الجلسة التي عقدها المجلس أمس الأول، وهو خبر لا يعرض أياً من مواد القانون المقترح. كما بحثت في موقع مجلس الوزراء(هو بالأحرى موقع الأمانة العامة لمجلس الوزراء والأمين العام) وموقع رئيس الوزراء، فلم أجد أية إشارة. وصباح أمس عندما استأنفت بحثي في شبكة الإنترنت ساعدني موقع "غوغل" في الحصول على تصريح للناطق باسم الحكومة السيد علي الدباغ في نيسان الماضي عن موافقة مجلس الوزراء على مشروع القانون ورفعه إلى البرلمان، مع كلام قصير يمتدح القانون المقترح ويضعه في مصاف قوانين مماثلة شرعتها الدول المتقدمة العريقة في ديمقراطيتها كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا (أشك في هذا كثيراً).المهم أنني خرجت بحصيلة أن حكومتنا التي تريد أن تضع نفسها في مرتبة حكومات الدول الديمقراطية المتقدمة، لم تفعل ما تفعله هذه الحكومات قبل أن ترفع مشاريع القوانين إلى البرلمان، بعرض هذه المشاريع على الرأي العام عبر وسائل الإعلام لكي يبدي المتخصصون وأهل الرأي ومنظمات المجتمع المدني المعنية آراءهم وصولاً الى صيغة تتوافق مع ما يريده المجتمع.نحتاج إلى قانون أو نظام يُلزم بعرض مشاريع القوانين على الرأي العام عبر وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية للبرلمان ومجلس الوزراء (عفواً الأمانة العامة لمجلس الوزراء) حتى لا تأخذنا الحكومة "غفل" كما فعلت مع هذا القانون: ثالثة الأثافي.
شناشيل: ثالثة الأثافي الحكومية
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 27 يوليو, 2011: 10:29 م