ســلام خـياطمن يقدر له زيارة العراق – بغداد على وجه الخصوص – يصاب بالصعقة، إذ يفجعه منظر العدد الهائل من الكتل الكونكريتية الضخمة، المبثوثة كالبثور المتقيحة على وجنة بغداد المتغضنة، الكثيرة التجاعيد.
الاعتياد يقتل الدهشة، وتكرار المشهد وإعادة تكراره يصيب الوعي الذهني بشلل وربما بمقتل، ومن يمر بالكتل الكونكريتية صباح مساء يعتاد وجودها –ولو على مضض– ولا تعود تشكل له صدمة، إذ لا يرى فيها غير مشهد عابر وما هو بمشهد عابر، إنها شتيمة قاذعة بحق العاصمة وسكانها وزوارها وأحزابها وكتلها ومسؤوليها ومثقفيها أن تظل هذي البثور تغمر وجه بغداد بعد مرور ثمان سنوات على خرابها المبرمج.تتردد هذي الأيام تصريحات لمسؤولين في الحكم، تبشر بإزالة هذي الدعامات بالتدريج، ونتوسم خيرا، ونصد سؤالا لجوجا يتوارد على ذهن كل مخلص وغيور: ما هو مصير هذه الجدران الكونكريتية الضخمة؟ في أي مكب للنفايات سترمى؟؟ وأي مساحة هائلة ستحتويها كأنقاض لا يدري أحد كيفية التخلص منها. سيما وإن أعدادها يكفي لبناء جدار بطول سور الصين،؟ يتندر أحد الظرفاء إذ يقول ساخرا، لا عليكم سيعمد بعض المقاولين لتهشيمها لاستخراج حديد التسليك فيها، وإعادة إستعمالها لتلبية عقد المناقصة بإنشاء سياج طويل عريض لمقابر جديدة! وهي نادرة سوداء تزيد المشهد سوءا وقتامة.هذه العوارض الضخمة كلفت الخزينة باهظا، أقتطعت تكاليفها من لقمة العراقي وسبل رفاهيته، واستثمارها على الوجه الأمثل مهمة وطنية ملحة وعاجلة.... الأمم الحية لا تفرط بثرواتها، بيعت حجارة جدار برلين بعد تقويضه قبضة، قبضة للاحتفاظ بها كذكرى، اليابان جعلت من نفاياتها مصادر للطاقة.. الأمم الحية تجعل من الفسيخ شربات (كما يقول المثل). الأراضي البور المهملة التي تحيط ببغداد مؤهلة لإستيعاب هذا العدد الضخم من كتل الكونكريت الشديدة الصلادة، بتطويعها لإنشاء مدن متكاملة بمدارسها وبيوتها ومسارحها وملاعبها و.. و.. تخصص لإسكان الفقراء وذوي الدخل الحدود وإنقاذهم من التشرد وسكن المقابر وبيوت الصفيح، أبنية قليلة الكلفة عالية المواصفات نظرا لجاهزية الجدران والسقوف والأسيجة.. ولنا في مدينة اليرموك مثالا بعد أن كانت مزارع للجت (علف حيواني) وأصبحت معلما بارزا من معالم العاصمة، ولا ننسى مدينة الثورة –صدام-الصدر. التي كانت سبخة يعشش الذباب والبعوض في جزراتها الآسنة، فغدت حاضنة لأكثر الأدباء والشعراء والفنانين حضورا وإنتاجا.أنه مشروع إنساني حضاري ضخم، الاستهانة بجدواه يقارب ارتكاب جريمة اقتصادية مشهودة. فمن من الغيورين سيتقدم للمبادرة، ويضع بصمة إبهامه على باب أول بيت او سياج أول مدرسة ويفند المقولة التي باتت وصمتنا الكبرى: إن العراق عقيم.
السطور الأخيرة: عسل من زهر الصبير
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 27 يوليو, 2011: 10:39 م