علي حسينلأننا حديثو العهد بالديمقراطية، فستحتاج مدة طويلة من الزمن لنستوعب الفرق بين مصطلح "مستشار" رئيس الوزراء و"مقرب" من رئيس الوزراء، فحتى هذه اللحظة الناس تعتقد أن لا فرق بين المقرب والمستشار مادام الاثنان قريبين من مصدر القرار، وازعم أن مصطلح المقرب هو النموذج السائد الآن وهو التعبير الحقيقي عن الحالة السياسية التي وصلنا إليها،
المتابع للشأن العراقي يكتشف إن جيشا جرارا من "المقربين" يتحكم في شؤون الحكومة، بل أن هناك معلومات مؤكدة من أن هؤلاء المقربين هم سبب الحرائق التي تندلع يوميا في أروقة السياسة العراقية، وهم سبب التصلب الذي تعاني منه شرايين الحكومة، ومن يشكك بذلك أتمنى عليه أن يحرك "الريمونت" باتجاه الفضائيات العراقية وحتما سيحظى بحديث كامل الدسم لأحد المقربين.أما المستشارون فلم اسمع يوما أن مستشارا للسيد رئيس الوزراء خرج علينا بتصريح يوضح لنا لماذا تأخر حسم ملف الوزارات الأمنية، ولم أشاهد مستشارا اقتصاديا يشرح لنا أسباب البطالة والفقر الذي يعاني منها العراقيون، على الرغم من أن ميزانية العام 2011 تعادل ميزانية أربعة من دول الجوار؟، ولم أحظ بتصريح لكبير مستشاري رئيس الوزراء ثامر الغضبان يقول فيه للعراقيين، أين تذهب أموال النفط وما الذي جناه أهالي ميسان والبصرة وكركوك من مشاريع الاستثمار والحقول النفطية الجديدة التي تكتشف كل يوم، في الوقت نفسه الناس لا تزال حائرة بحل لغز اسمه أبو علي البصري، الذي كان يشغل منصب المستشار الأمني لرئيس الوزراء، طبعا افتقد العراقيين "طلة" المستشارة القانونية مريم الريس، فيما رقي المستشار سامي العسكري إلى رتبة مقرب، فنراه اليوم يقف بالمرصاد لكل من تسوّل له نفسه الاقتراب من قلعة الحكومة الحصينة أو انتقاد أدائها، كان العراقيون يأملون أن يسمعوا كثيرا عن وظيفة المستشار والذي وضعت له الحكومات المتقدمة ثلاثة شروط لتولي المنصب: أولها الخبرة في مجال الاستشارة، فلا يجوز أن نعيّن رجل دين –مع احترامي الشديد له- مستشارا ثقافيا لأنه حتما لا تربطه علاقة وثيقة بالوسط الثقافي، وهذا ما حصل يوم توفى المفكر العراقي الكبير محمد مبارك الذي اصدر عشرات المؤلفات في مجال الفكر والفلسفة والاجتماع والأدب، حينها اتصل احد الأدباء بمكتب المستشار ليخبره بوفاة مفكر عراقي وقد أصيب الرجل بالدهشة وهو يسمع رد المستشار الثقافي الذي طلب منه أن يزوده بمعلومات عن المتوفى ومن هو؟ الصفة الثانية بالمستشار هي الأمانة في إعطاء المعلومة ونقلها، والثالثة عدم تولي منصب تنفيذي في جهة الاستشارة نفسها، يعني ألا يتولى المستشار الأمني مسؤولية الاستخبارات العسكرية، ولا يحق للمستشار الاقتصادي أن يصبح مشرفا على إدارة احد مصارف الدولة، المختصون في مجال السياسة يؤكدون إن الرأي الاستشاري ليس مساويا للقرار التنفيذي، المستشار يساعد صانع القرار من زاويتين: أولا توسيع دائرة البدائل المتاحة أمامه، وثانيا طرح سلبيات البدائل المتاحة حتى يكون صانع القرار على علم بما هو مقدم عليه.ماذا لو أن صانع القرار لا يرى استفادة حقيقية مما يتلقاه من المستشار من استشارات؟ وماذا لو وجد المستشار أن صانع القرار لا يستجيب لنصائحه؟ من المفروض حتما أن يكون، هناك طلاق سياسي بين صانع القرار والمستشار لان مهمة المستشار هي مراعاة الصالح العام.في العالم اجمع نجد أن صناع القرار يعتمدون على مستشارين يملكون رؤية متكاملة، يساعدون فيها المسؤول التنفيذي في رسم وتحديد برنامج عمل الحكومة، إلا في العراق فالمستشار مجرد صديق مهمته الأساسية الموافقة على كل ما يتفوه به المسؤول، ففي عرف مستشارينا لا يجوز إزعاج صاحب القرار فهو اعلم بأمور البلاد والعباد، ولهذا يتحول المستشار إلى مجرد تابع يظهر أمام وسائل الإعلام لكي يقول إن كل شيء تمام وتحت السيطرة، وان الخروج على القوانين انما هي تجربة جديدة في الحكم ولكنها في الحقيقة رسالة تقول اننا نمثل على انفسنا وعلى العالم ونقطب جبيننا إمعانا في إظهار الجدية، بينما نحن في أعماقنا نهرج.. ونضحك حتى نموت على أنفسنا من الضحك.وفى الحالتين؛ حالة المقرب من رئيس الحكومة والمستشار في رئاسة الوزراء إنما هي عملية التفاف على إرادة الشعب. وإجمالا فإننا نعيش مأزقاً شديد الخطورة، لأن أحدا منذ البداية لم يستمع لأصوات خبيرة ومحترمة نادت بأن يتم تهيئة التربة المناسبة للحكم وتنظيفها، غير أن الذين تشاطروا على الجميع و "تقربوا" أرادوها هرولة واستعجالا وتكالبا على حجز المقاعد سعيا وراء المنافع والامتيازات والمقاولات والاهم من ذلك سعيا وراء القرب من الزعيم الأوحد.
العمود الثامن: المستشار والمقرب وما بينهما
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 27 يوليو, 2011: 10:41 م