المدى الثقافي  لقد شغلت التجربة الشعرية البياتية العقل والحس العربيين تقويما جماليا وروحيا ..وإبداعاً شعرياً على مدى النصف الثاني من القرن العشرين بكل ما تمخضت عن عقوده الخمسة ،هذه من إشكاليات ومعضلات روحية وذهنية وجمالية وحسية ..فتوفرت عليها عشرات الدراسات الأكاديمية والإبداعية ..وتصدت بها مئات المحاولات التقويمية في مختلف لغات الأرض وليس العربية وحدها ،حتى انها لتكاد تعيد لنا أصداء الضجة الكبرى التي أحدثتها الظاهرة المتنبية في محيط الشعر العربي إبان انفلات المارد العربي الروحي والذهني والجمالي في القرن الرابع الهجري ..فتملأ الدنيا وتشغل الناس بما تثير من إشكاليات البنية الشعرية الحديثة ومعضلاتها الروحية والجمالية
ومع غزارة ما تقدم به العقل النقدي العربي من آثار تقويمية رائدة ،بشأن جديد الظاهرة الشعرية البياتية وتفردها وأصالتها ،ظلت هذه الظاهرة منطوية على ذاتها في الكثير من أسرارها والعتيد مما اجترحته وتجترحه من قيم إبداعية وسمات تشكيلية روحية لم ترتفع إليها تجربة شعرية سابقة أو محايلة ،لتظل في أكثر أبعادها الجمالية – الروحية – التشكيلية – الذهنية ثراء وعمقا  وأصالة وتفردا ً..هذا ما تضمنه كتاب (البياتي .. وعي العصر والبنية الشعرية الحديثة )  الصادر عن مكتبة عدنان في بغداد ، الكتاب يضم  تسعة   فصول ،يتناول فيها  محمد مبارك مراحل متعددة من تجربة البياتي السياسية والاجتماعية ،ومفهوم البطل في شعر البياتي وتجلياته في الشعر الصوفي "للسهروردي "كما يتناول ريادته الشعر العربي الحديث بكونه من مجددي الحركة الشعرية العربية ،وأيضاً يعد البياتي شاعرا ومناضلا ومبشرا للفكر التقدمي.الناقد  الراحل محمد مبارك يسلط الضوء على التجربة الفذة لشاعر – الأباريق المهشمة – وقمر شيزار – ويضع بين أيدي القارئ العربي تجربة غنية أثرت المكتبة العربية في التجديد واستخدام الأسطورة والتبشير بالثورة .