علي حسينلا تستغربوا محاولة الحكومة أن تضحك علينا بكلمتين حول نبذ الطائفية والولاء للوطن لا للمكون ومعاملة العراقيين سواسية بعيدا عن انتماءاتهم الطائفية والحزبية، فتلك بضاعة بعض الساسة التي لا ينفد معينها، ثم أنها بضاعة مجانية، لا تتطلب من أصحابها سوى تزويق العبارات وحبكها، وهي الصنعة التي راج سوقها في زمن العجز عن الفعل و الاستقواء بالكلمات،
إذ كما أن هناك من يفصل القوانين على هواه فهناك أيضا من يجيد تفصيل الخطب لتناسب كل مقام وزمان، لا غرابة في كل ذلك، وإنما الغريب في الأمر أن يؤخذ مثل هذا الكلام على محمل الجد، والأشد غرابة أن يصدقه البعض.خذوا مثلاً الكلام الذي نشرته الصحف قبل أيام والذي أبدى فيه السيد رئيس الوزراء انزعاجه الشديد لما يحدث في بعض السفارات العراقية في الخارج والتي اخذت حيزاً طائفياً ضيقاً، حيث قال بالحرف الواحد "السفير في الخارج يمثل دولته وليس قوميته وطائفته وحزبه"، مؤكدا "أن هناك معلومات حول وجود بعض السفارات التي تعمل للمصالح الحزبية والقومية"، وحين سمعت كلام المالكي تصورت أن ساستنا انتبهوا أخيراً إلى أن العبث بمستقبل العراق وبشخصيته التاريخية يجب أن يكون خطاً احمر لجميع الكتل والقوى السياسية، فقد عانى العراقيون ولا يزالون من آثار الاحتقان الطائفي الذي استشرى بمساعدة وبتصميم قوى سياسية وجدت في النزاع الطائفي مكاسب وامتيازات لم تكن تحلم بها، لقد تصاعد الكلام في السنوات الماضية عن أحقية المكونات الطائفية في تقاسم السلطات حتى وجدنا من يصر على أن يفرض هذا الواقع في دوائر الدولة ومؤسساتها، بدءا من فرّاش المدير وانتهاءً بوكيل الوزير، وأصبحت الوزارة تسير على هوى وزيرها وطائفته، فيما مؤسسات الدولة تم تقاسمها بين أمراء الطوائف، وكنا نسمع كلاما مطمئنا من الحكومة من أن هذا الوضع لن يستمر وان ملامح "لبننة" مؤسسات الدولة ما هي إلا مرحلة مؤقتة ستحاصر قبل أن تستفحل النار، لكن لم تنقض ليلتان حتى فاجأني السيد المالكي ومن على منبر البرلمان بقوله: "التوافق الموجود بين الكتل السياسية بشأن الوزارات الأمنية يؤكد أن الوزراء الأمنيين من حصة المكونات وليس الكتل"، كلام المالكي يوضح وبصراحة أن وزارة الدفاع من حق السنة، وليست من حق العراقية والداخلية من حق الشيعة وليست من حق الائتلاف الوطني، وهذا يعني وللأسف إن لا حظوظ لشخصية شيعية مهما كانت كفاءتها المهنية والعسكرية في الحصول على وزارة الدفاع، ويعني أكثر إن الائتلاف الوطني لا يمكن أن يمنح وزارة الداخلية لشخصية محترمة ووطنية بوزن حاجم الحسني لأنه "سني". المحزن في كلام المالكي أن الرجل ألغى وبجرة قلم خصائص وسمات المجتمع العراقي وهي خصائص فكرية واجتماعية تؤكدها الوقائع التاريخية التي تؤكد أن العراقيين لم يدخلوا معركة ضد بعضهم البعض، اللهم إلا إذا كانت معارك على ورق الصحف، وحتى فيما يتعلق بكابوس الطائفية، فإن الأحداث التي جرت طوال أكثر من اربعة عقود مضت، وعلى اتساع بعضها، إلا أنها لم تكن أبدا بذلك العمق الذي يخشى معه على سبيكة المجتمع العراقي.ومن ثم فإن الاصرار على فرض سيناريوهات «لبننة» العراق لا تعدو كونها -بافتراض حسن النوايا- ضربا من ضروب الجهل بطبيعة المجتمع العراقي التي ترفض التشدد والتخندق الطائفي. الغريب إن السيد المالكي في حديثة للسفراء العراقيين افترض في الناس الغباء والبلاهة. ولا أعرف كيف أقنع نفسه بأنهم يمكن أن يصدقوا هذا الكلام، في حين أن أي مواطن عادي يعرف جيدا أن المعركة الوحيدة التي يخوضها رئيس الوزراء بمنتهى القسوة والشراسة ليست معركة ضد الطائفية وإشاعة روح الدولة المدنية وتعزيز قيم المواطنة، بل هي معركة تكريس احتكار السلطة بكل الوسائل. أتمنى على السيد المالكي وبعض زعماء الطوائف ألا يأخذهم الحماس والرغبة إلى التفكير في المساس بجغرافيا العراق وتاريخه، ووحدته العضوية الرائعة التي شكلت وعاءً حضاريا حقيقيا استوعب –بعبقرية- التنوع الفكري والسياسي والعقائدي لكل العراقيين. باختصار شديد وبمناسبة مهرجان الخطب الطائفية. كنت اتمنى على السيد المالكي ان لا يضع نفسه في ورطة جديدة، وان يخبرنا بصراحة هل هو مع الاستحقاق الطائفي ام مع الاستحقاق الوطني؟.
العمود الثامن: ورطــة المـالـكــي
نشر في: 30 يوليو, 2011: 10:19 م