ميعاد الطائي من المعروف أن الأداء الحكومي وفق البرامج المخططة له من قبل السلطة التنفيذية في اي دولة في العالم بحاجة للمتابعة والتقييم للكشف عن الفساد والانحراف والسعي لحماية المصلحة الوطنية العليا من خطر المفسدين, باعتبار ان الفساد هو الجريمة الأكثـر خطرا من بين الجرائم التي تنال من قيم العدالة وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة.
فكما يعرف الجميع أن الفساد يعد العامل الأكثر تخريباً وتدميراً للمجتمعات الفقيرة والنامية وسبباً مباشراً في ضياع فرص التقدم والرفاه الاجتماعي وإحباط خطط التنمية وفي زيادة الفقراء فقراً، كما انه يفقد الناس ثقتهم بقادتهم حتى لو كانوا مخلصين وذوي نوايا حسنة، وكثيراً ما قاد الفساد الدول، التي يجد له فيها مرتعا خصباً، إلى هاوية الانحدار الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وقد أشارت بحوث المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية الى عمق الدمار الذي ألحقه الفساد باقتصاديات الدول النامية وفي دوام أسباب المرض والجهل والفقر والجريمة ، بالنظر لتسرب الأموال المخصصة لمكافحتها الى جيوب الفاسدين، فالنزاهة هي عماد التنمية وشرطها الأكثر أهمية، إذ تدعم النزاهة الاقتصاد الوطنـــي والبيئة السياسية والأخلاق العامة. ولقد جاء في المادة (36) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ما يأتي ((تتخذ كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، ما قد يلزم من تدابير لضمان وجود هيئة أو هيئات متخصصة أو أشخاص متخصصين في مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون. وتمنح تلك الهيئة أو الهيئات أو هؤلاء الأشخاص ما يلزم من الاستقلالية وفقاً للمبادئ الأساسية للنظام القانوني، لكي يستطيعوا أداء وظائفهم بفعالية ودون أي تأثير لا مسوغ له. وينبغي تزويد هؤلاء الأشخاص أو موظفي تلك الهيئة أو الهيئات بما يلزم من التدريب والموارد المالية لأداء مهامهم)). والمشكلة بالتأكيد ليست عراقية فقط ولا تنحصر في أرض أو بلد معين ولكنها تحضر وتتوهج في البلدان التي تشهد ضعفاً في أنظمة المراقبة الإدارية .وتعاني الكثير من دول العالم من هذه الآفة الخطيرة، ولذلك استحوذت على اهتمام المؤسسات والمنظمات الدولية.ومن أجل ذلك كانت الحاجة تفرض نفسها بقوة لتأسيس هيئات تحارب الفساد في العراق لأسباب كثيرة منها:أن الفساد بدأ يتفشى بصورة متزايدة في ظل ضعف الأداء الرقابي في المؤسسة التشريعية ( البرلمان ) وغياب المعارضة السياسية التي تراقب الأداء الحكومي والسلطات التنفيذية، فجاءت هيئة النزاهة حسب الأمر (55) لسنة 2004 باعتبارها سلطة تحقيقية ورقابية مستقلة في مجال قضايا الفساد المالي والإداري. وهكذا أخذت هذه الهيئة دورها في التصدي للفساد المستشري في جسد المجتمع وسط مخاطر كثيرة:أهمها الإرهاب الذي كان يدعم الفساد لأنه المستفيد الأول من عدم نجاح التجربة العراقية والحيلولة دون وصول الخدمات للشعب العراقي .ولكن برغم ذلك نجد ان هذه الهيئة تتقدم إلى الأمام في طريق مكافحة الفساد.ونريد هنا إن نؤكد أن هيئة النزاهة وجميع الهيئات والمؤسسات الرقابية الاخرى باعتبارها أمل المجتمع في القضاء على الفساد فإنها تحتاج إلى العون من الحكومة ومن كل الجهات التي يهمها القضاء على هذه الآفة الخطيرة، لذلك فهي بحاجة لأطر قانونية تقوّي سلطتها وصلاحياتها لتكون أقوى من المؤثرات الحزبية والفئوية الضيقة وتحتاج إلى تعاون المواطن في عملها وكذلك إلى دور مهم للإعلام الوطني الحر لترسيخ مفاهيم النزاهة والشفافية والأمانة لدى المواطن والتعاون مع الهيئة في إبراز نشاطاتها في وسائله المختلفة، فضلاً عن دور فعال لمنظمات المجتمع المدني في مراقبة الأداء التشريعي والتنفيذي وأخيراً دور للمؤسسة التربوية في غرس مفاهيم النزاهة وبناء الإنسان الصالح لنتمكن جميعاً من القضاء على الفساد وحماية المال العام .
مكافحة الفساد والاتفاقيات الدولية
نشر في: 2 أغسطس, 2011: 09:41 م