عبد الخالق كيطان شاهدت بإعجاب شديد تقريرا تلفزيونيا يتحدث عن مبادرة نفذها مجموعة من شباب مدينة الموصل هدفها تنظيف محلات عديدة في المدينة بالتعاون مع دائرة البلدية. الخبر يقول أن الشباب نفذوا المبادرة بعد أن أعلنوا عنها من خلال موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) على الأنترنت، وشارك بها أكثر من ثلاثة آلاف شاب من أهالي المدينة بضمنهم طلبة ومهندسون وأطباء ومثقفون.
منذ زمان أردد في أكثر من منبر عن غياب المبادرة الشعبية في العراق. ولكن مبادرة شباب الموصول تعطي مثلي بعض الأمل. هؤلاء تجاوزوا الكثير من الأعراف والتقاليد التي تضع طبقة المثقفين والأطباء والمهندسين في مرتبة أعلى من البشر، فقرروا بمحض إراداتهم النزول إلى الشارع وارتداء بدلات عمال التنظيف من أجل هدف واحد: أن تكون مدينتهم نظيفة، بمعنى أن تكون إنسانية.الدوائر الخدمية تقصر كثيراً في أداء واجباتها في قطاع النظافة، هذا أمر مفهوم ومتفق عليه، ولكن لماذا لا يبادر المواطنون إلى المساهمة، ولو بأبسط ما يمكن، على طريق أن تكون شوارعهم ومحلاتهم السكنية أنظف؟ لا جواب غير أن العراقي إلى الآن يستصعب المبادرة المجتمعية، وبضمنها المبادرة الفردية.من النادر أن ترى عراقياً لا يلقي بعلبة الماء البلاستيكية الفارغة من نافذة سيارته التي يقودها أو تلك التي تقله. من النادر أن ترى من "يستحي" من رمي عقب سجارته، أو علبة دخانه الفارغة، أو ورقة "الكلينكس" على قارعة الطريق. من النادر أن تدخل إلى مطعم أو دائرة رسمية أو مدرسة أو أية مؤسسة ولا تجد النفايات تنتشر في الأماكن غير المخصصة لها. يقودني ذلك إلى اعتبار أننا لا نحب النظافة، أما شعاراتنا، وبعضها مستوحى من ديانتنا، فهي تظل مجرد شعارات. ولكن شباب الموصول أعادوا لي الثقة بقدرتنا على أن نبدأ العمل متى ما قررنا أن نريد فعلاً.والآن تخيلوا لو أن شباب البصرة "غاروا" من أخوتهم في الموصل فعملوا الشيء ذاته. تخيلوا لو امتدت المبادرة لتشمل شباب بغداد الجديدة والناصرية والرمادي والنجف وتكريت والعمارة والبتاويين... الخ.. تخيلوا الصورة التي سنقدمها عن أنفسنا. تخيلوا أننا قمنا بالفعل بحملة وطنية ضد القمامة.. تخيلوا الآن وجه الشوارع والمحلات الشعبية كيف سيتغير.الشباب الذين شاهدتهم في تقرير الموصل التلفزيوني سحرتني أناقتهم، فهم يصرون على الأناقة بالرغم من أنهم يعملون على تنظيف الشوارع. هذه ملاحظة مهمة. والملاحظة الثانية، أن العاملين في بلدية الموصل طالبوا الجهات المعنية بتزويدهم بمعدات أكثر وفتح المجال لعدد أكبر من المواطنين للتوظيف في هذا القطاع. وأستطيع أن أزيد على ذلك بالدعوة لأن تتوافق المبادرة المجتمعية مع المجالس البلدية ودوائر الخدمة البلدية في عمل موحد يستدعي تشغيل شباب المناطق العاطلين عن العمل بشكل مؤقت في حملات تنظيف، كأن تكون حملة واحدة في كل نهاية أسبوع. سنوفر من خلال هذا المقترح أكثر من عنصر، وأهمها تشجيع المبادرة الشعبية وفي الوقت ذاته دعم العاطلين عن العمل بأجور معقولة، وحثهم على العمل ونبذ التقاعس والتشكي والتذمر.شباب الموصل يقدمون لنا درساً عن فائدة مواقع التواصل الاجتماعي في رص صفوفنا والخروج بمبادرات مجتمعية شعبية قد تكون البديل في يوم لمشاريع سياسية لم تقدم للناس غير الوعود...
عين:شباب الموصل
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 2 أغسطس, 2011: 10:24 م