اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > وقفة :محافظات أم قرى عراقية؟

وقفة :محافظات أم قرى عراقية؟

نشر في: 2 أغسطس, 2011: 10:48 م

  عالية طالب كلما زرت محافظة عراقية ، كلما شعرت بالأسى على الواقع اللاجمالي واللاخدمي واللاثقافي واللافني واللاعلمي الذي تعيشه  محافظاتنا ، خواء هائل يصفع وجوهنا  لا يكسره إلا  الترحيب الحقيقي وطيب وحنان الأهالي وهم يتعاملون معك وكأنك ضيف شخصي على كل واحد منهم .
فترات فاصلة طويلة نسبيا بين زيارة وأخرى  لبعض محافظاتنا، أقوم بها وأنا احلم بأنني سأراها أجمل وأحدث عمرانا وأنشط حضورا واقل فقرا وأزهى جمالا وأعذب فنا وأدبا وتشكيلا ونحتا ، المس نقلة موضوعية لواقع المرأة فيها  ولحقوق الإنسان وللمواهب التي  تختبئ فيها  ، لكنني في كل  مرة أعود أكثر إحباطا من سابقتها وأنا أرى جمودا هائلا يضرب خاصرة الحياة في اغلب محافظاتنا  دون اهتمام واضح يليق بتاريخ مدننا وعراقتها .قدر لي أن ازور البصرة فهالني حجم التسول  الذي يحاصرك أينما تتلفت ومعه التشتت العمراني والقبح الخدمي والضياع الشبابي  والخراب الصناعي واللافتات  المتناثرة على جدران ضاقت ذرعا بتجاذبات  هذا وذاك ، وجدتها مدينة لا علاقة لها بعبارة "ثغر العراق الباسم" ، ولا بتقليدنا القديم حين كنا نزف  زواجاتنا إليها لقضاء أيام  فرح  في مناطقها  وشطها وعنفوان  جمالها ومسارحها ومنتدياتها ودور  عروض الفنون فيها ، ولولا حرص مثقفيها على الاستمرار لاختفت  تماما من تاريخها المترسخ في ذاكرتنا ، مدينة بلا كهرباء وماء وحياة وسهر وكأنها حطام ، ورغم تميزها بكثرة المعامل الصناعية  الا إنها متوقفة  وبدلا من التفكير الجدي والفعلي لإعادتها وتطويرها من قبل الحكومة المركزية  يفكر عدد من مسؤولي الحكومة بنقلها الى محافظات أخرى، وهي أكثر من 15 ألف مشروع صناعي، كان يعمل فيها ما لا يقل عن 75 ألف مواطن، غالبيتها متوقفة إما جزئياً أو كليا ، وفي هذه المدنية الغنية بإرثها الثقافي والفني، تغيب الجهات الرسمية المعنية بالثقافة والفنون، ولجنة الثقافة والإعلام في مجلس محافظة البصرة لم تكن مؤثرة في دوراتها السابقة و الحالية، إذ لم تشارك بأي نشاط ثقافي أو فني في المحافظة. زرت النجف فرأيت عبثا  يضرب شوارعها وكأن " تسونامي " مر بها دون أن ندري وأعمال اكساء بطيئة وحفريات نشطة وحفرا وركاما.مدينة تنتظر الشتاء ليغرقها وأهلها بكل خير المطر وأوحاله العراقية، ولولا  وجود شباب حقيقي صاحب مشروع فكري وحضاري متوارث  لغابت عنها  عبارة  منطقة الفقه والأدب والحديث  وهو ما تحضر له النجف باعتبارها عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2012. ويوم ذهبت الى " بعقوبة " وجدت آثار القيح الذي شوه وجه المدينة في سنوات الطائفية متناثرا في زوايا  يخشى من إعادة  بروزها مرة أخرى ، ويصمت نهرها عن استقبال أصوات الشعراء والأدباء بعد ان ضرب الجفاف أراضيها التي كان كل شبر فيها اخضر لتبدو المدينة  بوجه اصفر متيبس  بلا خطط سياسية وإنمائية واروائية لإعادة الحياة الى أراضيها .وزرت محافظة صلاح الدين لحضور  الملتقى القصصي الأول فيها ، هذه المدينة التي  تمتد جذورها الى ما قبل الميلاد  وفيها قلعة آشور في قضاء الشرقاط و الكنيسة الخضراء في تكريت والتي هي من أقدم الكنائس في الشرق الأوسط ، وملوية سامراء وجامعها الكبير وقصر العاشق وجسر حربة في قضاء بلد. وحين سألت أهل سامراء عن حال مدينتهم أجابوني بحسرة أنها لا تسر عدوا ولا صديقا ، فهل انتهت فعلا عبارة " سر من رأى " عن هذه المدينة بفعل غياب الرعاية التي تستحقها ؟؟أما واقع المرأة في صلاح الدين فغريب جدا ، إذ لم أر إلا اثنتين أو ثلاث نساء في الملتقى وغاب جيل الشباب عن الحضور والتواجد، فإذا ما عرفنا ان  (87%) من الإناث في صلاح الدين هن  خارج قوة العمل فهذا أوضح مؤشر لحجم التخلف عن التعليم والنظرة غير المنصفة للمرأة على أنها لا تستطيع تحمل أعباء العمل والأسرة  وغياب  الرعاية المؤسساتية ومنظمات المجتمع المدني  في تغيير واقع المرأة والشباب.وإذ ما أردت أن  أتحدث عن العمارة والكوت والسماوة والبصرة فيكفي أن  نشير إلى  ازدياد عدد الوفيات فيها بسبب انقطاع الكهرباء والماء الصالح للشرب والخدمات الطبية الفورية والدورية وبقاء الخدمات العامة  المتدنية على حالها السيئ .غصة كبيرة تشهق في صدري وأنا أتذكر ما  قاله لي احد الأصدقاء العرب وهو يزور  العراق مؤخرا ، " تبدو بغداد وكأنها قرية  بائسة  بعمرانها المتخلف ومبانيها المنهارة وشوارعها اللامؤثثة بالجمال "  فكيف به لو زار  محافظاتنا عفوا " قرانا " فما تراه كان سيقول!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram