أ.د. عواطف عبد الرحمنلقد اتسم موقف الحكومات العربية من ثورة 25 يناير المصرية بالحذر والخوف على عروشهم وامتداد الثورة إلى أراضيهم، وقد انتقلت شرارة الثورة بالفعل إلى العديد من الدول العربية بسبب اكتمال شروطها وأسبابها من قهر سلطوي وفقر وإفقار للجموع العريضة من الشعوب العربية وتركة متجذّرة من الموروثات السلفية الدينية والسياسية وركود طويل المدى من تهميش للإرادات والعقول العربية، هذا الركود الذي خلق الاستكانة والتراجع لدى الجماهير العربية واكتفائها بالحصول على الحد الأدنى من احتياجاتها البيولوجية واستغنائهم عن سائر المتطلبات الضرورية للحفاظ على حقوقها في الكرامة الإنسانية والمشاركة في صنع مصائرها.
وقد فاجأتهم الثورات في مصر وتونس التي أشعلها الشباب وانضمت إليها الجموع الحاشدة من المقهورين والمهمشين ولكن لا تزال تركة الموروثات من الفساد والمفسدين قائمة وفاعلة وتحاول باستماتة إعادة عقارب الساعة إلى الخلف. وتشير الخبرة التاريخية إلى صعوبة بل استحالة تنازل المستبدين والفاسدين من الحكام وأصحاب المصالح غير المشروطة عن الامتيازات الذين يناضلون من أجل استعادة حقوقهم المشروعة، إنهم يملكون الحق ولكنهم لا يملكون أدواته في ما يتسلح المعسكر المعادل بكل أدوات القوة الاقتصادية والأمنية ،علاوة على الخبرات الشريرة التي اكتسبوها طيلة فترات من التسلط والنفوذ. إن الثورات قد تحدثت بصورة مفاجئة ولكن صنع المستقبل لا يمكن أن يتم بطريقة الانفجار بل لابد من فترة انتقالية لإعادة ترتيب الأوضاع في إطار النموذج التغييري. وبصورة تلبي تطلعات واحتياجات الجموع العريضة من المشتاقين للتغيير.فزع وخوفوثورة 25 يناير لا تزال تحبو في ظل مناخ يشوبه الفرح الجماهيري بكسر حاجز الخوف والرغبة العارمة في المشاركة ،ولكن لا يزال الفرح الثوري محاصراً بتركة ثقيلة من الصعوبات والمعوقات الكامنة والسافرة والتي تحتاج إلى جولات ثورية متواصلة لإزالة هذه المعوقات وتطهير الجموع العريضة من تراث الخضوع والاستضعاف والاستذلال وانعدام الثقة بالنفس لدى الملايين الذين أهدرت آدميتهم خلال ثلاثين عاما وأكثر. وإذا كانت النخب السياسية والثقافية تنشغل بقضايا الإصلاح والتغيير السياسي باعتبارها مفتاح التغيير الشامل فإن الجماهير تنشغل بقضايا أخرى تتصدر أجندة همومها اليومية وتتمثل في ضرورة إشباع احتياجاتها الحياتية الضرورية أولا والتي تعد في نظرها شرطا مسبقا لتحقيق كرامتها الإنسانية ومدخلا إنسانيا لمشاركتها في إدارة شؤون الوطن.وفي إطار الصخب الذي تمارسه النخب السياسية تتواري هموم وقضايا الجموع الشعبية وتواصل النخب السياسية دورها في إعلاء صوت القضايا السياسية مثل الانتخابات والاستفتاء على حساب القضايا الاجتماعية والثقافية. ولا تنتبه إلى دورها الغائب والذي يتطلب ضرورة التحام هذه النخب بالجماهير وتوعيتها وتنظيمها والاستجابة لتطلعاتها المشروعة في الحصول على حقوقها في الصحة والتعليم والعمل والسكن والمشاركة المجتمعية. وفي ظل غياب النخبة عن الجماهير يحدث الانفصال بين هذه النخب التي تؤمن بالأفكار الثورية وقواعد الجماهيرية المسكونة بتركة الموروثات المعوقة للتغيير الثوري.المهام الأصعبوإذا كانت المهمة الأولى للحركات الثورية تتمثل في القضاء على استبداد النظام السياسي الفاسد والمتسلط، فإن المهام الأصعب والأجدر بالاهتمام تتمثل في ضرورة الاهتمام بإزالة تركة الموروثات التي تتحكم في فكر وسلوك الجماهير بمختلف شرائحها في المدن والريف والتي قد تتناقض في معظم مفرداتها مع منظومة الأهداف النبيلة للثورة. فالثورات كما قال بحق بونابرت يخطط لها الأذكياء ويصنعها النبلاء ويجني ثمارها الانتهازيون.والسؤال المطروح كيف نحافظ على ثورتنا من مؤامرات وألاعيب الانتهازيين الذين تتكاثر أعدادهم في ركاب الثورات يضللون ويراوغون ويلتفون حول أهداف التغيير الثوري بكل السبل والخبرات الشريرة التي اكتسبوها خلال حقبة الاستبداد ،إنهم يسعون بدأب لتفتيت الأهداف الثورية يفرغونها من محتواها ويقفزون على جهودها سعيا للإبقاء على امتيازاتهم ومصالحهم غير المشروعة. هذا هو التحدي الأول الذي يواجه الثورات العربية وفي صدارتها ثورتا مصر وتونس. أما التحدي الثاني فهو يتعلق بقضية الديمقراطية ، فالثورة الديمقراطية التي أشعل شرارتها الشباب ثم انضمت إليها جميع فصائل الشعب المصري، كشفت حقيقة غابت عن أذهان السياسيين والمفكرين الذين تنبأوا أن الثورة القادمة ستكون ثورة جياع، أي أن الخبز هو الذي سترجح كفته في معادلة الثورة، ولكن جاءت ثورة 25 يناير المصرية وثورة تونس كي تثبتا أن الحرية والكرامة كانتا لهما الأولوية وتصدرت شعارات الثوار، فيما توارت شعارات العوز الاقتصادي وهموم المفقرين والجياع.نموذج ديمقراطيوفي ضوء تجذر غياب الديمقراطية في الأبنية السياسية والاجتماعية والثقافية بدءا بالأسرة العربية ثم المدرسة والجامعات والممارسات الدينية في المساجد والكنائس ومنظمات المجتمع المدني (الجمعيات الأهلية والنوادي) والمؤسسات التشريعية والإعلامية والثقافية في ضوء كل ذلك يبرز السؤال الآتي:كيف نتمكن من بناء نموذج ديمقراطي ينبثق من فهمنا ودراستنا العميقة للتاريخ السياسي العربي مع مراعاة الاستفادة من فهم التراث العالمي وتطبيقاته الغربية وممارساته في سائر الدول النامية التي حاولت تطبيق النموذح الغربي وفشلت أغلب هذه الدول ما عدا الهند وماليزيا والبرازيل وتركيا؟!وكيف نتعلم من الخبرات الفاشلة التي اعتمدت على استيراد النموذج الغربي وحاولت تطبيقه دون وعي واستيعاب حقيقي لتاريخ أوطانها ودون إد
سمات جديدة لثورتي مصر وتونس
نشر في: 5 أغسطس, 2011: 05:21 م