عبد الله صالحعضو مجلس النواب السابقلا شك في أن منطقتنا مقبلة على تغييرات ستراتيجية كبيرة ستلقي بظلالها على كل المعادلات المحركة للسياسات الداخلية والخارجية لجميع الدول فيها، فالتغيرات الجارية ابتداء من ليبيا وتونس ومصر وليس انتهاء بسوريا، والاستعدادات الداخلية الجارية على قدم وساق في سوريا وإيران ، جميعها مؤشرات واضحة على مستقبل هذه المنطقة. ولست هنا بصدد الكتابة عن الثورات العربية ... وإنما عن نتائجها ،وتأثيراتها وبالتحديد على مستقبل العراق كدولة وليس كنظام سياسي.
في تقديري إن النتيجة المشتركة الرئيسية لجميع هذه الثورات والتحركات الشعبية سيكون بروز أنظمة سياسية أكثر ديمقراطية وحرية ومرونة مع شعوبها وتقودها تنظيمات إسلامية معتدلة ( إخوان جدد) قريبة في نهجها ( وحسب وعي الشعوب في كل دولة) من حزب العدالة والتنمية في تركيا ومتحالفة معه في السياسات الستراتيجية ... وهذا يؤدي بالمنطقة إلى مرحلة جديدة قديمة من الصراعات، وستكون أكثر الدول تضررا هي: إسرائيل حيث إن الأنظمة الجديدة لن تتعامل مع إسرائيل بنفس أساليب الأنظمة القديمة في تلك الدول ، بل سيكون هناك ضغط جدي على إسرائيل يؤدي بها إلى حل المشكلة الفلسطينية على أساس حدود 1967، مع تبادل الأراضي لأغراض أمنية ، وهذا ما جاء في خطاب أوباما الأخير حول المنطقة .إيران حيث أنها ستخسر أهم أسلحة سياستها الخارجية وسيسحب البساط من تحت أقدامها في موضوع الصراع العربي – الإسرائيلي، وبالتالي عليها البحث عن بدائل ومواقع جديدة لاتخاذها كخطوط دفاع خارج حدودها.وبالاستناد إلى هذه التغيرات ، ستدخل المنطقة في صراع شرس وطويل بين العثمانية الجديدة (تركيا وحلفاؤها من الأنظمة السياسية الجديدة في الدول العربية ) وبين الإيرانية الجديدة بقيادة احمدي نجاد أو نهجه الذي يمثل القومية الفارسية في الجمهورية الإسلامية في إيران ... ومع الأسف سيكون العراق بالدرجة الأساس، المركز الأهم لهذا الصراع الحاد والطويل، إضافة إلى لبنان بدرجة اقل.أين نحن ؟ وماذا فعلنا ؟ وكيف ندخل في هذه المعادلة ؟يؤسفني القول انه لحد هذه اللحظة لاتوجد أية مؤشرات دالة على أي استعداد من جانبنا كعراقيين لكيفية إدارة هذا الصراع لاسياسيا ولا اقتصاديا ولا عسكريا ولا حتى اجتماعيا ... حيث مازال التخبط وعدم القدرة أو الرغبة في بناء مؤسسات الدولة هو السمة السائدة في العملية السياسية العراقية ، وهنا أريد القول انه يخطئ من يتصور انه سيكون بمنأى عن الأضرار والأخطار الجسيمة التي ستلحق به منفردا سواء على المستوى الشخصي أو الحزبي أو الطائفي أو القومي ... لن ينجو احد منفردا ، ولنا في التاريخ العراقي عندما كان أهم مراكز الصراع بين الإمبراطورية العثمانية والصفوية تجارب واضحة وجلية .... ما العمل إذن ؟في تصوري انه يجب أن يناقش( القادة) و(الكتل السياسية ) هذا الموضوع بوضوح وصراحة ليتوصلوا إلى الرؤية المتبلورة للنتائج الممكنة لما يحدث في المنطقة، وعلى ضوئها عليهم أن يقرروا :هل الجميع متفقون أن تبقى دولة العراق في هذه المنطقة ؟ هل هناك من يريد أن لا تبقى دولة العراق في هذه المنطقة ؟إذا اتفق الجميع على ضرورة بقاء دولة العراق ... فماذا يمكن أن نفعل كي نحافظ على أنفسنا ؟إن أول شيء يجب أن نفعله هو أن تكون عراقية الجميع فوق مراكز آيديولوجياتهم (خارج العراق)، المراكز التي تحرك الامتدادات والفروع في الداخل العراقي حسب حاجاتها، وليس حسب حاجة العراق، سواء كان مركزا آيديولوجيا واحدا كما هي لطائفة ، أو مراكز آيديولوجية) متعددة كما لطائفة أخرى.عندما يتحقق هذا، سنكون قد قطعنا نصف الطريق... وبغيرها ، لا أتصور أن هناك أملاً أو مستقبلاً للعراق.والشيء الآخر، يجب أن ننطلق بقوة وبسباق مع الزمن لبناء مؤسسات الدولة الدستورية ... وهذا لا يعني الاهتمام بالجيش ومؤسسات الأمن بالدرجة الأولى فقط وإنما بالمؤسسات التي تديرالجيش والأمن والاقتصاد والخدمات... إن بناء هذه المؤسسات ليس لغزا لا يفك ولا طلسما مستعصيا ، وإنما هو واضح ولدينا خارطة طريق مركزة جدا وهو الدستور.أما إذا لم يتفقوا على بقاء دولة العراق ... فلا داعي لمزيد من إضاعة الوقت ،وليأخذ كل فريق طريقه ويتحمل مسؤولية مستقبله في إقامة دولته المستقلة الخاصة به ... فالإحداث أسرع من أسلوب وحركة تفكيرنا وعملنا ، وتشبثنا بالأشياء الصغيرة في غير محلها.
مستقبل المنطقة والتخبّط السياسي فـي العراق
نشر في: 5 أغسطس, 2011: 05:24 م