إيمان محسن جاسم في كل مرة يكون الخروج من أية أزمة سياسية في العراق بالتوافق بين قادة الكتل السياسية أو بعبارة أكثر دقة التوافق بين القائمة العراقية و دولة القانون، وهذه التوافقات من شأنها أن تخلق أزمة جديدة في اللحظة التي يريد فيها أحد الشركاء إحداث أزمة سياسية،وبالتالي نجد أنفسنا بين سندان التوافق ومطرقة الأزمة.
الاجتماع الأخير بين قادة الكتل السياسية كان من المفترض أن يخرج بنتائج حاسمة لقضايا عديدة أولها ملف الانسحاب الأمريكي والذي تمت الإشارة إليه من خلال تكليف الحكومة للتفاوض مع الأمريكان بصدد أمور التدريب الخاصة بالجيش العراقي، وهذا يمثل هروب الكتل السياسية من اتخاذ قرار حاسم في قضية مصيرية كهذه وإلقاء الكرة في ملعب الحكومة من أجل أن لا تتحمل هذه الكتل عواقب أي قرار تتوصل إليه الحكومة مع الجانب الأمريكي رغم إن أغلب قادة الكتل السياسية لديهم علاقات وطيدة جدا مع الأمريكان ومن المؤيدين لبقاء القوات الأمريكية ولكن لا يعلنون هذا للرأي العام، وهذه إحدى مشاكل السياسة في العراق التي تتغلب عليها التصريحات الإعلامية.وأيضا كان من المفترض أن يتم التوصل لنتائج بصدد الوزارات الأمنية ومن سيشغلها، ولكن -على ما يبدو- تم ترحيل هذا الملف إلى اللجان العاملة! وما أكثر اللجان التي شُكلت لهذا الغرض، خاصة وإن معضلة الوزارات الأمنية باتت تؤرق الجميع وتمثل نقطة الاختلاف الكبيرة بين دولة القانون والقائمة العراقية ولا يضاهيها في هذا سوى مجلس السياسات العليا الذي تم التوافق على ترحيل قانونه لمجلس النواب بغية مناقشته وإقراره في حال التوافق عليه بين أطراف العملية السياسية في البلد، وبالتالي فإن تشكيل هذا المجلس يعني في ما يعنيه تشكيل سلطة رابعة ورئيس رابع يضاف لرئيس مجلس الوزراء والجمهورية ورئيس مجلس النواب ،وبالتالي تعود الدولة العراقية للترهل من جديد وكأن الترشيق الوزاري لم يحصل.ونحن هنا لسنا ضد مجلس السياسات بقدر ما إننا ضد إضافة مزيد من المناصب وما يترتب عليها من حمايات ومكاتب وتقاطعات دستورية في نفس الوقت. ولكن ما يمكن الخروج به من محصلة للعملية السياسية في البلد يمكننا أن نقول بأنها قائمة على أشخاص أكثر من اعتمادها على أحزاب،وهذا ما يقودنا للتأكيد أن الديمقراطية في العراق لم تفرز بعد كاريزما سياسية وأحزاباً بمعناها المعروف بقدر ما إنها أفرزت شخصيات لها سطوتها وسلطتها على النواب،وبالتالي تعمد هذه الشخصيات لمصادرة حقوق النواب في التصويت على الكثير من القضايا المهمة ،وهذا ما تجلى بوضوح في التصويت على سحب الثقة من مفوضية الانتخابات رغم إن أغلب القوائم والكتل السياسية كانت مناهضة للمفوضية وطالما اتهمتها بتهم خطيرة ولكن علت أصوات رؤساء الكتل على إرادة النواب سواء عبر التصويت مع أو ضد سحب الثقة.وهذا الحدث ممكن أن يتكرر في مناسبات أخرى في ظل حالة التصارع بين الكتل الكبيرة خاصة وإن عدداً من أعضاء مجلس النواب أشار إلى قُرب افتح عدد من قضايا الفساد في وزارات عديدة هي بالتأكيد ستخضع للتوافقات أيضاً وبالتالي تكون العملية السياسية في العراق مجرد اتهامات واتهامات متبادلة وتصريحات إعلامية وأخرى نقيضة لها والجميع يختلف مع الجميع لأدنى الأسباب.وهذا موجود في الشأن الداخلي فقط بل يتعداه للسياسة الخارجية للعراق وعلاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي والدولي من خلال تقاطع وجهات نظر السياسيين العراقيين في شأن الكثير من القضايا العالقة مع دول الجوار العراقي، بل حتى في ظل الخروقات الكبيرة التي تحصل من قبل دول مجاورة للعراق ، فنجد بأن كل طرف ينظر للحدث من زاوية تختلف عن نظرة الطرف الآخر وهذا ما يشكل غموضاً وضبابية في الموقف العراقي إزاء التحديات التي تواجه البلد.
سندان التوافق ومطرقة الأزمة
نشر في: 6 أغسطس, 2011: 05:39 م