ساطع راجي علامتان مهمتان سيطرتا على اجتماع قادة الكتل الذي عقد مؤخرا في قصر السلام برعاية الرئيس طالباني، العلامة الأولى هي حالة التفاؤل التي سادت الأجواء السياسية بعد الاجتماع ،والعلامة الثانية هي الدعوة السريعة التي تقدم بها الرئيس طالباني إلى القوى السياسية لـ"وقف جميع حملات الاتهامات والتشكيك في وسائل الإعلام" بحسب بيان صدر عن رئيس الجمهورية.
مصدر الإثارة في حالة التفاؤل التي شاعت بعد اجتماع قادة الكتل، هو إن الاجتماع وفق البيان الذي صدر بعده، لم يحسم أي نقطة خلافية مبدئيا، فقانون مجلس السياسات الذي أعلن عن الاتفاق على إرساله إلى مجلس النواب لم يكشف عن فحواه ولا عن التزام القوى السياسية بتمريره في البرلمان ولا عن سقف زمني لإرساله إلى البرلمان أو لإقراره، كما إن موضوعي التوازن والنظام الداخلي لمجلس الوزراء تمت إحالتهما إلى لجان وهي صيغة عراقية لدفع الملفات نحو المجهول خاصة وان اللجنة التفاوضية التي شكلت في اجتماع القادة السابق لم تتوصل إلى شيء، والأمر نفسه ينطبق على موضوع الوزراء الأمنيين، فقد عاد القادة إلى نقطة البداية عبر الدعوة لتسمية مرشحين جدد تقبل بهم الكتل الثلاث (الوطني، العراقية، الكردستانية) خلال أسبوعين، ومن خلال التجربة العراقية فإن تسوية كهذه تعني إن شيئا لم يتحقق، إذن ما هو مصدر التفاؤل؟، هذا السؤال يمكن الرد عليه بتوقع إجابتين مجتمعتين أو منفردتين، الإجابة الأولى هي إن الكتل السياسية شعرت بخطورة نتائج اليأس الذي يسيطر على المواطنين ،ولذلك سعت هذه الكتل لتقديم شحنة من التفاؤل ولو مؤقتة لإيقاف تراكم اليأس وما ينتجه من ضغط داخل العراق وفي العلاقة مع الدول الأخرى، أما الإجابة الثانية فهي إن هناك عاملا حاسما تدخل هذه المرة مما يجعل نتائج الاجتماع الأخير ملزمة بدرجة تفوق وتتجاوز الحالات السابقة، والأرجح إن هذا العامل الحاسم هو عامل خارجي. أما دعوة الرئيس طالباني للتهدئة ووقف الحملات الإعلامية فهي ليست الأولى من نوعها، فهذه الحملات التي تبدو غالبا غير مخطط لها، تقوم بدور تخريبي في الساحة السياسية، فهي تؤدي إلى مزيد من التعقيد وتفتح يوميا المزيد من الملفات وتشيع الاحتقان وتؤدي إلى مواجهات إعلامية لا تنتهي إلى شيء محدد لأنها أصلا بدون هدف خاصة وإنها تقفز من أزمة لأخرى وتبدو مجرد صيغة لـ(الردح السياسي) الذي بات يشبه عراك النسوان في المحلات الشعبية، فهو كلام يلقى على عواهنه في إطار الوظيفة اليومية لمعظم البرلمانيين وهي وظيفة التصريح لوسائل الإعلام بمناسبة وبدون مناسبة ومهما كان الوضع الحقيقي لهذا البرلماني في عملية صنع القرار، ويبدو أن بين البرلمانيين من يعتقد إن شن الهجمات الإعلامية على الخصوم هو أفضل وسيلة لإثبات الوجود ولإعلان الولاء لزعيم الكتلة في وقت واحد، خاصة عندما يريد زعيم الكتلة التملص من الاتفاقات، ودعوة الرئيس طالباني تستدعي التزاما من زعماء الكتل بدعوة أعضاء كتلهم إلى التوقف عن الحروب الإعلامية اليومية وهو التزام سيثبت لو حصل حسن نوايا زعماء الكتل. التفاؤل المتسرع والدعوة الملحة للتهدئة علامتان أيضا على إن الأوضاع في العراق بلغت نقطة حرجة لا تتحمل المماحكات والمناورات ولا بذخ التصريحات والإعلانات السائبة، فهل دقت ساعة الاتفاق؟
تفاؤل وتهدئة
نشر في: 6 أغسطس, 2011: 05:41 م