(الغرض الأول للسينما هو التسلية)عمر الشريفسعد ناجي علوانماذا يحدث لو حاورنا أحلاماً سابقة؟ هل نألف الألق نفسه عنواناً للفعل ،أم أن الرماد سيلوح عالياً ليملأ الطاولة؟ (روما ترانزيت) حلم يمتثل له الآن (فراس الشاروط) ليروي مفاصله.يبدأ الفيلم بتساؤله الكبير ،المقارنة، أو الأصح المقاربة بين خروج روما من الحرب الكونية بفهم تمكنت من خلاله صياغة مجتمع استطاع تجاوز محنته ليخلق آفاقاً أكثر سعة (السينما على وجه الخصوص) أعادت للحياة دلالاتها الطبيعية، في ذات التجربة عجز العراق عن الفعل المماثل مع موضوعية الظرف في كلا الحالين.
هذه الفرضية هي الثيمة الأساسية لفيلم (روما ترانزيت) ،فمنذ كلمات روسيلليني المخرج الكبير كمفتتح بداية للفيلم نجد الواقعية الجديدة الايطالية تتوزع وقت العرض الفيلمي بمشاهدها الخلابة ،تتجول الكاميرا بعد أن يدعونا المخرج/الممثل (الشاروط) لمرافقته في أسواق المدينة وشوارعها ،لقطات سريعة ،جميلة، لما يشكل عنواناتها الحالية (الهم اليومي- شعارات الجدران- بروز المليشيات) معلقا على ذلك أو على ما يتوالى من مشاهد الواقعية الجديدة، بل إن بطلنا (الشاروط) لا يتوانى من التصريح بالتشابه الحاصل مع بطل فيلليني في (ثمانية ونصف) ،ولن يبان شيء من ذلك مع (جويدو) الباحث عن وجوده المعقد خلال دوامة الواقع الممزوج بالخيال ،سوى أن البطلين مخرجان ويحملان هَمّ الناس وأحلامهما في السينما، هنا يتجلى الأمر ويفصح (الشاروط) أنه يسكب مخزون ذاكرته (كمشاهد أولاً وناقد سينمائي مهم ثانيا) وعشق كبير للسينما الواقعية الايطالية.بعيدا عن الإفادة منها كفعل فني يدعم ويتماهى مع ما يدور لديه من حكايات أشخاص شوهتهم الحرب وسلب الحصار إرادتهم ،لذا هو يناقش –يكاشف- يحاكم- يلتقي- يفضح- يتبع بكاميرته ليعرف الأسباب التي أدت بـ(أم صافي) للتفريط بجسدها ،زاعمة بأنها تتقي شراسة الجوع ،وما الذي جعل الأستاذ (عمران) يتناول فهم الملكية كما يحب ليسرق المصاحف من بيوت الرب ، الحكاية الثالثة (الصبي صباغ الأحذية) لم أحببها بدت مشوشة وغير محبوكة جيدا ، لكن ما يفعله الشاروط مع نماذجه يتسم بالمباشرة والتقريرية – أليس هو فيلما وثائقيا- حتى محاولة قربه منهم (خاصة مع مصدر حكاياته الصبي صباغ الأحذية) توخيا للامساك بسقف واقعي للحدث ،جعلت خيوط اللعبة تتسرب أحيانا من بين يديه، تجلت بوضوح أكثر أثناء مشهد غرفة المونتاج والمخرج يراقب اغتصاب (صوفيا لورين وابنتها في فيلم دي سيكا امرأتان) حيث تواطأ دون أن يدري وتعاطف، ناسيا دوره كمخرج ،ثم أين الترابط هنا مع بطلته أم صافي الراضية والقانعة بما تفعل سوى أن كليهما ضحية حرب مجنونة.لو اكتفى الشاروط بدلا من لقاءاته المتعددة بحكاية سارق المصاحف ،والتأمل في أبعادها ومجاورتها للواقع لأنجز ما يفخر به، إضافة إلى شيء من الإرباك خلفه بالأهمية المعطاة لشخصية الصبي ،مرة أخرى أؤكد أن الشاروط قدم لنا نماذجه كمشاهد وناقد سينمائي مهم.روما ترانزيت ،فرح حاولنا الإمساك به ،الاطمئنان وتضخيم الذات حيّداه في مسافات معينه، وتألق في مسافات أخرى، غير متناسين الإشارة إلى دقة عمل المونتير ومدير التصوير (علي الساهر) ولمساته المبدعة، بخلاف بساطة ما دار حوله، السيناريست الشاعر( زهير هداد) كتب عملا ضخما مميزا، الآراء المتباينة لم تقلل من حظوظ الفيلم وجماليته الفكرية .للإشادة، الفيلم استحق بجدارة جائزة الدولة للإبداع من وزارة الثقافة عام 2010.
فيلم روما ترانزيت
نشر في: 10 أغسطس, 2011: 06:35 م