اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > درس من الهند للقطاع الخاص فـي العالم العربي

درس من الهند للقطاع الخاص فـي العالم العربي

نشر في: 12 أغسطس, 2011: 08:16 م

د. عبد الله المدني في الهند اليوم معضلة حقيقية تتمثل في الانفجارات السكانية الناجمة ليس عن تزايد معدلات المواليد بسبب تحسن الظروف الصحية وتوفر الخدمات الطبية والعلاجية، وإنما أيضا بسبب تحسن الاقتصاد وارتفاع معدلات النمو السنوية (ما بين 7- 9 بالمئة خلال السنوات العشر الماضية)، وهو ما شجع الكثيرين من سكان الأرياف والمناطق النائية للنزوح إلى المدن الكبيرة بحثا عن فرص العمل المجزية، وأملا في تحسين أوضاعهم المعيشية
 (خلال السنوات الخمس عشرة الماضية منذ شروع الهند في إصلاحاتها الاقتصادية نزح نحو مئة مليون نسمة، أي أكثـر من إجمالي عدد سكان ألمانيا، من القرى إلى المدن).وهكذا صارت كبريات المدن الهندية المعروفة، ولا سيما تلك التي برزت كقلاع تكنولوجية خلال السنوات القليلة الماضية، مكتظة عن بكرة أبيها إلى الدرجة التي صار معها البحث عن سكن لائق كالبحث عن إبرة صغيرة في كومة قش كبيرة. والملاحظ أن هجرة الأعداد الهائلة من سكان الأرياف إلى المدن لم تؤثر على القطاع الزراعي الهندي، بل صار هذا القطاع ينتج ستة أضعاف الناتج المفترض، محققا للبلاد نحو 6 تريليونات دولار سنويا من تصدير الأرز والحبوب والبهارات والسكر والشاي والألبان والخضروات والفواكه.ولعل أكبر دليل على صحة ما نقول حول الانفجارات السكانية في الهند وتداعياتها هو ما تعيشه مدينة مثل "شيناي" (مدراس سابقا) الحاضنة لأكثر من 8 ملايين نسمة، والتي تعتبر رابع أكبر مدن البلاد، و قاعدة من قواعد صناعة البرمجيات الهندية. وعلى الرغم من كل الجهود الحكومية للسيطرة على التضخم السكاني في هذه المدينة، فإن مظاهر مثل زيادة رقعة المساكن العشوائية، والاختناقات المرورية، والانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي، يشعر بها كل زائر أو مقيم.ومن هنا قرر عدد من شركات البلاد الخاصة تحمل مسؤولياتها الوطنية، ومد يد العون للدولة لعلاج هذه المشكلة المؤرقة، فبادرت إلى فكرة تشييد مدينة عصرية جديدة ليسكنها الموظفون وأسرهم، مع توفير كل مستلزمات المعيشة اللائقة فيها من خدمات التسويق والتعليم والعلاج والترفيه والعبادة، إضافة إلى المسطحات الخضراء والبحيرات وملاهي الأطفال، ناهيك عن ربط تلك المدن بخدمات الكهرباء والمواصلات والاتصالات وشبكات النقل العام ومعامل معالجة مياه المجاري. لقد وُصفتْ هذه العملية بـ"المشروع العملاق والرائد على مستوى العالم"، ليس لكونه جسد التعاون والتلاحم ما بين القطاعين الخاص والعام في أجمل صورة، وليس لأنه أوجد حلا جذريا لمشكلة مستعصية، وإنما أيضا لأنه سوف يعود بالفائدة على القطاعين معا، وسوف يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للبلاد (تــَواصل تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الهند بمعدل بليون دولار يوميا على مدى السنوات العشر الماضية).ولعل السبب الأخير هو ما دفع شركة هندية خاصة رائدة كشركة "ماهيندرا" العاملة في مجالات مختلفة، ابتداء من إنتاج وتصدير المكائن الزراعية وانتهاء بإنتاج الطائرات الخفيفة، إلى وضع يدها في يد شركة محلية أخرى كبيرة هي شركة "إنفوسيس" الموصوفة بـ "عملاق صناعة برمجيات الكمبيوتر"، والتي تحقق للهند إيرادات سنوية خيالية من تسويق منتجاتها في العالم، وذلك بهدف بناء مدينة عصرية نموذجية على مقربة من "شيناي" بتكلفة 620 مليون دولار ليسكنها نحو مئة ألف أسرة، مع تخصيص جزء منها لسكن موظفي الشركتين البالغ عددهم 12 ألفا، وعرض الباقي للبيع أو الإيجار. ومنذ إطلاق هذا المشروع قبل بضع سنوات، تبين أنه صار يموّل نفسه بنفسه عبر الإيجارات العالية التي قدمتها شركات أجنبية مستثمرة في الهند مثل "بي إم دبليو" الألمانية، و "نيسان" اليابانية، و"جنرال إلكتريك" الإمريكية. إن نجاح المشروع سالف الذكر شجع شركتي "ماهيندرا" و "إنفوسيس" على تكرار تجربتهما في أماكن أخرى من البلاد، فاختارتا ضواحي "جيبور" في شمال شرق الهند كمكان لبناء مدينة عصرية أخرى بالمواصفات السابقة. كما اختارتا أراضي في ولايات "مهاراشترا" و"ماديا براديش" و "كارناتاكا" للأغراض نفسها، على أن تكتمل المشاريع كلها خلال خمس سنوات من الآن، علما بأن المساحة الإجمالية للمدن المراد بناؤها تصل إلى 750 كيلومتر مربع. وتقول مصادر الشركتين أن ما قامتا به في "شيناي" لم يكن سوى البداية، وإنهما يطمحان إلى بناء 20 مدينة عصرية في السنوات القادمة.هكذا يغير الهنود صورة بلادهم بالعزيمة والإصرار والتخلي عن الجشع وحب اكتناز الأموال أوإنفاقها على التوافه التي تسيطر على عقول الأثرياء ورجال المال والأعمال في البلاد النامية الأخرى، مؤمنين بأن زيادة رقعة الحواضر بخلق مدن متطورة وعصرية وفق خطط مدروسة ومحكمة هو خير للجميع، ومتمسكين بمبدأ أن "المدن الحديثة تولد ثروات مضاعفة على المدى البعيد"، هذا ناهيك عن أن العمل في مجمله رد لجمائل الوطن، وحماية له من الاحتقانات والتذمر في أوساط الطبقة الوسطى المتنامية.وهذا الأمر، بطبيعة الحال، لم يكن ممكنا لولا وجود رؤية متقدمة عند القطاع الخاص الهندي مضمونها أن الهند التي كبرت كثيرا، بفضل الإصلاحات الاقتصادية أي منذ طلاقها للاشتراكية المقيدة وتبنيها لنه

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram