TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كردستانيات :زائر من الدنمارك

كردستانيات :زائر من الدنمارك

نشر في: 13 أغسطس, 2011: 06:12 م

وديع غزوان كنت دائم النقد والخلاف مع ولدي علي كلما سمعته يتذمر مما يعانيه هو وأقرانه الشباب في وطن يأبى الحكام فيه إلا أن يتصورا وهماً أنهم فوق الشعب، ويزيد غضبي عليه عندما أسمعه يصرخ  بعفوية، في  فورة  غضب ويأس من  إمكانية صلاح  الخلل الكبير في الكهرباء او الخدمات او حتى النظام التربوي والتعليمي والمناهج، لماذا ولدت في العراق؟ ولماذا لم أولد في انكلترا او السويد او أي من هذه الدول التي تحترم أبناءها، بل لماذا لم أولد بالخليج على كل ما فيه ؟
غير اني تراجعت بعض الشيء عن تزمتي هذا وأنا أعيش ساعات مع حفيد شخص عزيز، لا يتجاوز عمره الرابعة عشرة.. جاء من الدنمارك في زيارة سريعة ليطلع على موطن والديه.. مصطفى  لم يولد  في العراق لكنه عاش مع أهله مآسي الكثير من العراقيين وقهر التجوال من بلد الى آخر منذ التسعينات الى ان استقر به المقام أخيراً مع عائلته في الدنمارك التي دخلها وهو لا يفقه من الحياة شيئاً ولا يعرف عن الوطن غير الذي سمعه من والديه ولهجة لم يتقن الكثير منها، لكنه رغم ذلك  ورغم   صغر سنه أراد ان يرافق شقيقته صفا وهي تزور العراق  ليطلع على ما أحدثه التغيير من تطورات فيه  قد تشجع على عودتهم لوطن اضطروا لمغادرته والانسلاخ عنه.المهم اني التقيت مصطفى في أكثر من مكان وهو يزور أقارب أمه، فكان قليل الكلام جداً وعندما يسأله احد منهم عن السبب يقول ان المدرسة علمتهم ان لا يثرثروا وان لا يتحدثوا إلا بما هو مفيد، كما انه كان يستغرب ان يعيش سكان عاصمة مثل بغداد بهذا المستوى المتدني من الخدمات الأساسية  وبلا كهرباء، وعند مرورنا بالسيارة من قرب احد  القصور الرئاسية السابقة  الكائن في الاعظمية انتبه الى طبيعة السياج وطوله فتساءل هل كان هذا لصدام  وعائلته فقط؟! ثم أجاب بكلمات بسيطة وواضحة انه غش . تصرفات مصطفى وعفويته وهو يتحدث بثقة  مع من يلتقيهم وبدون خوف عن ممارسات مرفوضة ومظاهر تسيء للذوق العام وفتية يملأون تقاطعات الشوارع يبيعون قناني الماء او غيرها، تدفعك الى احترام  النظام التربوي في بلد كالدنمارك، الذي استطاع ان يزرع قيم فعل الخير بين ابنائه، والأهم ان رسخ في نفوس أطفاله الثقة بالنفس واحترام الآخرين، كما انها تدفع للمقارنة بينه وبين ما يجري في مدارسنا بل في جامعاتنا  ومجمل مؤسساتنا من سلوكيات تخنق الإبداع والطاقات بسبب تكريس ثقافة الخوف والعقاب والأنانية.. لم أزر الدنمارك ولا أعرف شيئاً عن نظامه ولكني وجدته مجسداً في شخصية مصطفى  مع ما فيها من اضطراب أحياناً ربما سببه الأوضاع العامة في العراق وخاصة الحر والكهرباء.  غير ان شقيقته صفا  وبسبب فارق العمر والنضج كونها طالبة كلية هناك، تصر على ان بغداد هي الأجمل  وقالت رغم كل الخراب والدمار الذي أراه وأكوام النفايات، تبقى بغداد متميزة.وتضيف: نعم قد يكون المسؤول مقصراً وفاسداً، ولكن أين دورنا كمواطنين في تصحيح كل الذي يحصل، ولماذا يحرص الواحد منا في الخارج  على عدم رمي أي قصاصة ورق في الشارع لكنه لا يتورع عن قذف علب المشروبات الغازية والمياه من السيارة  دون خجل وغيرها من الممارسات.تحدثت صفا كثيراً وقالت: ان المواطنة التي فقدناها (من كثر الضيم ) ينبغي ان يعود بريقها في النفوس وآن  لنا ان نحب بلدنا بإخلاص.ودّعت مصطفى وشقيقته وأنا أتذكر مضمون حديث قرأته في الماضي للشيخ محمد عبده يقول فيه (زرت بلاد الفرنجة فوجدت مسلمين ولم أجد إسلاماً، وعشت في بلاد المسلمين فوجدت إسلاماً ولم أتلمس مسلمين).بعد كل هذا هل يمكن ان يعي مسؤولونا سبب التمايز بين الدول المتقدمة والدول النايمة؟ إنها مجموعة قيم من أهمها إقران القول بالفعل فمتى نصلح أحوالنا  ونغار على أوطاننا؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram