TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما يا عراق: أسلمة الدراما

سلاما يا عراق: أسلمة الدراما

نشر في: 13 أغسطس, 2011: 09:15 م

 هاشم العقابيليس غريبا أن يختلف فقهاء المسلمين فيما بينهم حول الكثير من المسائل التي تخص العقيدة والتاريخ الإسلاميين. وليس غريبا أيضا أن يتحول ذلك الخلاف الى عداء وحروب ومعارك طائفية لم تقدم للشعوب الإسلامية غير إشغالها بأحداث ماضية لا علاقة لها بالحاضر. وكم أتعبتنا أحداث التاريخ التي أكل عليها الدهر وشرب، كما يقولون، دون أن تعلمنا ما ينفعنا بدنيانا. إنها مهما تلونت وتعددت وشحنت بالعواطف والقصص، التي تفوق الخيال أحيانا،
لم ولن تعلمنا كيف نبني مشروعا صناعيا أو مدرسة نموذجية أو حتى نصنع دراجة هوائية. إنها كدروس "الصرف" التي تنهك الطلاب وتقض مضاجعهم أيام الامتحانات، لكن ما إن يتخرج الطالب إلا ويجدها بضاعة لا سوق لها في عالم الواقع. ما نفع ما نتعلمه إن لم نستثمره؟وبمناسبة الاستثمار، لا أنكر أن الخلافات المذهبية التي ولدت في أحضان المدارس الفقهية قد أجيد استثمارها بامتياز. استثمرها الكثير من الظلاميين وأعداء الحياة سلاحا لإزهاق الأرواح وتدمير كل ما يمت للتحضر والتطور بصلة. ليس هذا، حسب، بل نجحوا في تحويل إي انجاز مدني أو حضاري أو علمي لتحقيق مآربهم العدوانية والظلامية. فالثورة التكنولوجية التي تتوجت بتسريع وسائل الاتصال بين الناس، والتي لا أظن أن للاسلامين أي دور في حدوثها، استثمرت من قبل أعداء الحياة لتسريع نشر الموت والرعب. لقد نجحوا نجاحا عظيما في تحويل نعمة الانترنت والأقمار الصناعية والهواتف النقالة، التي انعم بها الغرب "الكافر" علينا، الى نقمة وشبح يتقن، باسم الدفاع عن العقيدة، امتصاص روح الخير من قلوب الناس، كما امتص دماءهم، فجعل الحي منهم لا يفرق عن الميت. مواقع انترنية وفضائيات ورسائل هاتفية، يجتهد أصحابها تحت غطاء الخوف على الدين وشريعة الله، ببث كل ما يحول أي جميل بالحياة الى جحيم.الطامة الكبرى هي ان عقول هؤلاء اتجهت نحو الدراما السينمائية والتلفزيونية  لتستثمرها كسلاح جديد لتحويل الحروب الطائفية الى معارك على الهواء. والمؤسف جدا هو ان الفنانين، الذين يفترض ان يكونوا شريحة متنورة تدعو للمدنية والعلمانية  قد انجروا للعبة. يبدو ان داء النجومية وحب الظهور والمال قد أنساهم دورهم الحضاري فحملوا السيوف ولبسوا الدروع وصبغوا وجوههم بغبار التخلف، ليفتقوا جروحا عتيقة يظل دفنها أفضل من بث الحياة فيها مهما كان العذر او الدافع.كم كنا نتمنى أن يظل الفن والأدب بعيدين عن "الاستثمار" الطائفي. وكم هو مؤلم ومقرف، أيضا، ان يفتخر فنان ويشعر بالسعادة لان "فقيها" أو مجموعة فقهاء  قد أعطوه الضوء "الشرعي" الأخضر كي يشترك بهذا المسلسل اوذاك. متى كانت الدراما  تستمد مرجعيتها من رجل دين؟ وهل سيستشير رجل الدين فنانا في اي شأن من شؤون دينه أو حياته؟ لقد اسهم جيل الفنانين الذي أخضع الدراما لتكون في خدمة الصراعات الطائفية والسياسية في فتح باب خطير ومدمر. أما يكفينا ما تحمله شعبنا بفعل تسييس الدين، لندخله بنفق مظلم آخر؟ وهل هناك ما هو أحلك أو أشد ظلاما من "اسلمة" الدراما أو تسييسها؟ ومن هو المسؤول الفعلي عن تسليم مفاتيح بيت الفن بيد فقهاء الدين وتجار السياسة؟ وما علاقة المساجد والحوزات والمرجعيات والبرلمانات بالابداع الفني والدرامي؟أسئلة قد تجد لها جوابا في عمود الغد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram