علي حسـيننعيش هذه الأيام فترة غابت فيها السياسة لتحل مكانها العشوائية، حيث يفاجئنا البعض من المسؤولين بمواقف كوميدية تجعل المرء يضحك ويبكي أحيانا، فمنذ أن تفجرت أزمة الوزارات الأمنية والسيد المالكي وعبر المتحدثين باسمه أو المقربين منه، أو عبر بعض أعضاء كتلة دولة القانون مشغول بإيجاد توصيفات وتسميات لتلك الوزارات،
هل هي وزارات تابعة للدولة العراقية، أم مجرد كيانات هامشية تدار من مكتب رئيس الوزراء كما يصر السادة المقربون؟. يعتقد البعض -بسذاجة شديدة- أن مشكلة الوزارات الأمنية هي خلاف على أسماء المرشحين، وكأن كل هذه الضجة مجرد خلاف على فلان أو علان، وليس محاولة البعض للسيطرة على المؤسسات الأمنية وتوجيهها الوجهة التي يريدها. هذا بالضبط ما تأكد لي وأنا اسمع السيد رئيس الوزراء يقول : "إن الوضع الأمني لن يتأثر، حتى لو تبقى الوزارات الأمنية على حالها إلى نهاية الدورة و إذا تم تسمية الوزير لا يغير من الوضع شيئا".سطور المالكي هذه فقرة من حوار أجراه زميلنا نبيل جاسم وعرضته قناة السومرية الخميس الماضي، طبعا الحوار حمل الكثير من المفاهيم والرؤى والأفكار التي من حق المالكي أن يؤمن بها كسياسي، لكن ليس من حقه أن يضيع مصير البلد وأمنه في مهب الريح بسبب إيمانه بان لا بديل له في وزارتي الداخلية والدفاع.إذا عرضنا هذه الفقرة من حديث رئيس الوزراء على طالب في المرحلة الإعدادية وليس خبيرا أو محللا سياسيا وطلبنا منه أن يخبرنا عما يفهمه منها، فسوف يصل إلى النتائج التالية: أولا: النظر إلى القوى السياسية باعتبارها عاجزة عن ترشيح شخص يحظى بالقبول في الوزارات الأمنية، والاكتفاء بالمقربين من المالكي باعتبارهم أصحاب التوجه الأمني الذي يصلح للبلاد. ثانيا: إننا شعب يفتقر إلى العناصر الكفوءة لإدارة مؤسسات الدولة، والمطلوب هو إفساح المجال لأفراد يعرفهم المالكي جيدا ويثق بقدراتهم لإدارة هذه المؤسسات وخصوصا الأمنية، لان هؤلاء الأفراد يؤمنون بنظرية السيد المالكي والتي تؤكد على أننا كشعب نعيش مرحلة مراهقة سياسية ولهذا نحتاج إلى مراقبة لصيقة من مقربي رئيس الوزراء وأجهزته الأمنية حتى لا نتأثر بأي أفكار قد توقعنا في طريق الغواية والفتنة فيما الحكومة تريد أن تهدينا إلى الطريق المستقيم. ثالثا: بما أننا شعب لا نستطيع أن نصحح أخطاءنا فعلينا أن نقبل بالموجود تيمنا بالمثل البغدادي المشهور "الشين اللي تعرفه أحسن من الزين اللي متعرفه"!، وبالتالي علينا أن نشكر رئيس الوزراء وكل الـ "المقربين" منه الذين جنبونا أن نتحول إلى بلاد مثل الصومال. مشكلة السيد المالكي من البداية، شأن معظم ما يفعله وليس فقط الآن، هو التصرف بسياسة ردود الأفعال. من البديهي أننا يجب علينا المحافظة على امن العراق ضد كل ما يشكل خطرا، بدءا من الإرهابيين والمخربين، مرورا بالمزورين، ونهاية بالفاسدين واللصوص، ولهذا اعتقد أن من حقنا أن نسأل السيد المالكي، لماذا سمح أو أغمض عينيه عن وزراء لا يملكون الخبرة ولا الدراية في شؤون وزاراتهم؟، أليست الوزارات الأخرى مهمة في الحفاظ على امن البلاد، هل الأمن مجرد جيش وشرطة وسيطرات تملأ الشوارع، أم هو منظومة متكاملة تبدأ من التعليم والثقافة مرورا بالزراعة الصناعة ولا تنتهي عند التخطيط والتنمية. نعرف أن امن الوطن والمواطن يتقدم على جميع الاستحقاقات وان اختيار شخصيات كفوءة لإدارة هذا الملف هو أمر لا جدال فيه، لكن السيد المالكي يدرك أن معركة اختيار الوزراء الأمنيين هي اليوم معركة سياسية كان ينبغي معالجتها منذ البداية، باعتبارها قضية سياسية وليست مجرد وزارات أصبحت تدير نفسها بنفسها كما قال في حوار مع السومرية.لا يعقل أن يقفز السيد المالكي فوق كل المطالبات الشعبية بالخدمات وحل أزمة الكهرباء لينشغل ويشغل الناس معه وهو يعلن للأمة أنه طرد احد مرشحي وزارة الدفاع، لأنه متواطئ لانقلاب في فترة سابقة، طبعا لم يخبرنا عن أي انقلاب شارك فيه الرجل المطرود والمأساة أن يكون قد شارك في انقلاب ضد صدام.والثابت أن هذه الطلعات التلفزيونية المكثفة للمالكي وتابعيه لن تفلح في إقناع الناس ببقاء الوزارات الأمنية شاغرة، ولن تفلح في إقناع العراقيين بان غياب الكهرباء وانتشار الفساد والانتهازية والرشوة وتفشي البطالة سببها مرشح شارك في انقلاب، وعليه فإنه لا معنى لهذا التشبث من المالكي بالمناصب الأمنية إلا إذا كان الرجل ومن معه مصرون على انتعاش مبيعات الصور والملصقات التي تبارك جهود القائد العام للقوات المسلحة.
العمود الثـامـن: خيارات المالكي
نشر في: 13 أغسطس, 2011: 10:25 م