ساطع راجيلا يخطئ من يقول إن وصف الجنود الأمريكان الذين سيبقون بعد 31/12/2011 بأنهم "مدربون" هو مجرد وصف للتملص القانوني ولإطعام الدعاية السياسية المدافعة عن زعماء يريدون تحقيق انتصارات ورقية، فمن سيتبقى من الأمريكان أكثر من مدربين بكثير بل إن الحاجة إلى مدربين هي آخر حاجات العراق وهي حاجة يمكن أن توفرها دول عدة غير الولايات المتحدة، والتدريب قضية لا تحتاج إلى كل هذا القلق الذي يسيطر على الساسة وهذه المناوشات التي تشهدها البلاد، ووجود المدربين أمر أهون من كل هذا الصخب، وبغض النظر عن التسمية فإن الجنود الأمريكان الذين سيبقون هم أكثر من مدربين والعراق بأمس الحاجة لوجودهم بدرجة توازي أو تفوق حاجة الولايات المتحدة للتواجد عسكريا في العراق.
العراق بحاجة لأكثر من مدربين لأن سياسة التسلح متعثرة وتدور في حلقات مفرغة ويتم التعامل مع ملف التسلح على انه مجرد ملف عادي يصلح للتجاذبات مثل أي ملف آخر.والعراق بحاجة لأكثر من مدربين لأنه مازال بدون مؤسسات استخبارية حقيقية تعلمه بما يجري على أرضه أو قريبا من حدوده وللأسف، فأن العراقيين وتحديدا الزعماء يعرفون قبل غيرهم إن البلاد بحاجة الى قوة عسكرية جبارة للحفاظ على تماسك البلاد التي تبدو اليوم أقرب للتحول إلى مقاطعات تديرها قوى وأحزاب متنافرة لعدم وجود رؤية موحدة تجمع شتات الدولة وتدفعها للحركة في اتجاه محدد بدل أن تتحول (كما هو حاصل اليوم) جميع ملفاتها إلى فرص للتنازع بين الفرقاء.وللأسف أيضا، فإن العراقيين وتحديدا الزعماء، يعرفون قبل غيرهم، إن لا رادع لغول الدكتاتورية الجاثم في نفوس الزعماء وأدبيات الأحزاب وثقافة المكونات الوطنية إلا بضامن دولي له القدر على وضع حد للطموحات الشخصية والحزبية والفئوية وفرض سلام ما ولو في أدنى المستويات بين المتنازعين العراقيين، وقد رأينا وما زلنا نرى اللعبة البشعة العابثة بالدستور وأصول الديمقراطية والحدود الدنيا من الالتزام الأخلاقي تجاه الناخبين.مصدر الأسف هنا، إن العراقيين وتحديدا الزعماء يقفون عاجزين أمام ما تراكم من أخطاء بعضها صنعت عن عمد بأيد عراقية وأخرى صنعت بأيد أمريكية وصارت هذه الأخطاء يعاد إنتاجها عند كل منعطف باعتبارها ضرورة لبناء السطوة الشخصية أو الحزبية، كما إن بناء الدولة وأجهزتها السياسية والأمنية والإدارية والخدمية دخلت متاهة من الفوضى والفساد لا يمكن معها رؤية الأفق الزمني اللازم لجمع شتات الدولة التي عجزت اليوم عن معرفة خطط بناء ميناء كبير قريبا من حدودها وتعجز عن التعامل مع هذه الحقيقة بأي شكل كان، قبولا أو رفضا، كما تعجز هذه الدولة العراقية عن إنقاذ قراها من الجفاف الناجم عن قطع الجيران مياه الأنهار، كما تعجز عن إيقاف قصف الجيران أو شرح مبررات القصف للمواطنين، بل إن هذه الدولة تعجز عن الحفاظ على سجونها ومعتقلاتها ومنع النزلاء من الهرب مرة بعد أخرى، وهي دولة تعجز على مدار أشهر عديدة عن اختيار وزيرين أمنيين من بين ثلاثين مليون مواطن تقريبا، وهي دولة رفعت يديها استسلاماً أمام جرائم عدة على رأسها التزوير وراحت تبرر للمزورين وتريد العفو عنهم، فعن أي جاهزية يدور اللغط والدولة ليست أسلحة وعساكر فقط؟، ولكل ذلك هناك حاجة لأكثر من مدربين، وهذه الحاجة ثقيلة على العراق والولايات المتحدة لأنها تأتي تحت ضغط أوضاع المنطقة وأوضاع العراق الداخلية المتوترة وليست في سياق التحالف التقليدي الذي تقيمه الولايات المتحدة مع دول حليفة في المنطقة، فالوجود الأمريكي تحت أي تسمية سيؤدي إلى أزمة داخلية عراقية مفتعلة لأغراض حزبية في الدرجة الأولى ولن تكون أزمة بلا ملحقات أمنية.
أكثر من مدربين
نشر في: 14 أغسطس, 2011: 05:15 م