حسين علي الحمدانيقضية ميناء مبارك الكويتي التي تفجرت لتأخذ أكثـر من بُعد وإطار سياسي واقتصادي وثقافي ،وقرأنا الكثير من المقالات وسمعنا الكثير من التصريحات سواء العراقية منها أو الكويتية، وكل جانب يدلو بدلوه في قضية تشكل حالة واحدة فشل بعضنا في استيعابها والتعامل معها ، وهذه الحالة تتمثل بحقيقة علينا أن لا نجهلها نحن أبناء الشعب العراقي ولا يتجاهلها قادة السياسة في البلد والتي تتمثل بأن هناك ( عراق جديد .. وجيران قدماء ) ،
وهؤلاء الجيران مازالوا محكومين بالماضي،هذا الماضي نحن تحررنا منه بنسبة كبيرة جداً فلم تعد ذاكرتنا تردد بأن الكويت المحافظة التاسعة عشرة،ولم تعد تستهوي مسامعنا أناشيد الحرب وبياناتها، لقد تغيرت مفاهيمنا بشكل إيجابي وكبير جداً، وسبب التحرر هذا يكمن في أننا تخلصنا من النظام السياسي الذي ظل يحكمنا عقوداً طويلة ، وتحررنا من أيدلوجية هذا النظام وغادرنا مناطق الخوف ومناطق العداء للآخرين، فيما نجد الجوار العراقي لم يطله التغيير، وبالتالي ظلت هنالك عقد مترسخة وثقافة مؤدلجة يستقي منها ما يشاء ويتعامل وفق رؤيته على إن العراق مازال عراق صدام والبعث.إذن نحن استوعبنا التغيير الذي حصل في العراق وتجاوزنا عُقد الماضي بحروبها ودمائها وعدوانيتها وتحملنا ضرائب كثيرة فُرضت علينا بموجب قرارات أممية احترمناها لأنها موروث ثقيل علينا تسديدة وينتهي مع آخر دفعة تعويضات يدفعها الشعب العراقي.واستيعاب التغير هذا تُرجم بممارسات ديمقراطية أفرزت لنا حكومات منتخبة،وحتى مناهجنا المدرسية تغيرت وباتت تتلاءم والعراق الجديد، مما سيؤدي بالتأكيد لانبعاث جيل عراقي ينفض ما تبقى من تراكمات الماضي،ولا ننسى أن ننبه لنقطة مهمة جداً تتمثل بأن أحدث جيل عراقي شاب الآن لا يعرف من هو صدام حسين ! ولا يعرف حتى غزو الكويت ولا الحرب مع إيران، لأن مناهجنا التعليمية وثقافتنا الموجودة الآن لا تقوم على نبش الماضي وإدارة الصراعات وفق مفاهيم الماضي وعُقده،الجيل العراقي ومنذ عام 2003 وحتى يومنا هذا ألغى حتى رمي الإطلاقات النارية في مراسيم تحية العلم كل يوم خميس في مدارس العراق كافة ، لأن هنالك مفاهيم جديدة طرحت نفسها بقوة وباتت هي من ترسم عملية بناء الإنسان العراقي الجديد، وبما أن هنالك إنساناً عراقياً جديداً فإن هنالك عراقاً جديداً. ولكن هل استوعبت دول الجوار العراقي هذا التغيير؟ من خلال ما يحصل الآن ليست هنالك أية مؤشرات تدلل على إن دول الجوار قد استوعبت التغيير في العراق وأدركته بشكل يجعل منها تغير تعاملها مع العراق الجديد، والسبب يكمن كما قلنا بأنها مازالت محكومة بعُقد الماضي وأحداثه ، وهذه الحالة ربما يكتشفها أي مواطن عراقي من خلال جملة من التصرفات التي تقوم بها دول الجوار تجاه العراق، قطع مياه الأنهر من قبل الجانب الإيراني لا يمثل سوى سلوك نابع من عداء وتصرف مازال يحتكم للماضي وما زال يرى العراق على أنه خاض حرباً طويلة معه ، وبالتالي يصدر أحكامه هذه وفق ثقافة أملتها عليه طبيعة النظام السياسي الذي لم يتغير في هذا البلد، القصف المستمر للقرى الحدودية في كردستان يندرج في هذا الإطار،رفض الكويت خروج العراق من طائلة البند السابع وإلغاء ما تبقى من تعويضات مفروضة على العراق ، لا يمكن إلا أن يكون ناجماً من عُقدة سياسية تمنع الكويتيين من إدراك ما حصل من تغيير كبير جداً في العراق. وربما يقول البعض بأن التغيير الذي حصل فاجأ هذه الدول ،وهذا يتنافى مع مسارات العمليات العسكرية نفسها التي انطلقت من الأراضي الكويتية في حرب ( تحرير العراق2003) والتي باركتها القيادة هناك وهنأت الشعب العراقي في أكثر من مناسبة ، وهذا الحال ينطبق على إيران أيضا. فما هي المشكلة إذن ؟ باعتقادي لن يكون ميناء مبارك آخر المطاف ولا قطع مياه نهر الوند آخر العقوبات ، بقدر ما أن المشكلة تكمن في المفاهيم والأفكار التي ترفض التعامل مع العراق الجديد، والتي تفرض نفسها بقوة على القيادات السياسية في الكثير من البلدان المجاورة لنا ، وتجعلهم لا ينظرون للعراق إلا من زاوية العداء والعداء المتبادل ولن تكون هنالك ثمة أرضية صلبة لدى البعض تسمح لهم بأن ينظروا بعيون جديدة ،والسبب يكمن في أنهم لم يتغيروا وتلك مشكلتنا قبل أن تكون مشكلتهم ، لأننا من يدفع الثمن.
العراق الجديد.. وعٌقدة الجيران القدماء
نشر في: 14 أغسطس, 2011: 05:17 م