TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما يا عراق :الفن الملتحي

سلاما يا عراق :الفن الملتحي

نشر في: 14 أغسطس, 2011: 09:18 م

 هاشم العقابي أسعدني أن القراء، من خلال ردودهم حول عمودي أمس عن "أسلمة الدراما"، عرفوا بأن ما كتبته كان مقدمة للحديث عن الجدل الدائر حول مسلسل "الحسن والحسين" ، رغم أني لم أمر على ذكر اسم المسلسل. لقد كان القراء على حق.
هنا أريد أن أبين رأيي بجدوى المسلسل من الأساس دون أن أضع بحسباني ما سأواجهه من اتهامات  البعض الذي صار متخصصا بفبركة التهم حقا كانت أم باطلا. المعنى: أنها لا تهمني فالمبلل لا يخاف من المطر. فكيف اذا  كان مطرا صيفيا كما جاء في أغنية الفنان فؤاد سالم أطال الله في عمره؟من الطبيعي أن منتجي المسلسل، وقد يشاركهم الممثلون والمخرجون، يدعون أنهم يهدفون الى "تنوير" الناس وطرح حقائق تاريخية بأسلوب درامي محايد. وسيقولون، إن لم يكن قد قالوها بالفعل، إن هدفهم هو تبصير الشعوب العربية والإسلامية بما قد يساعد على قتل روح الفرقة والعداء الطائفي والمذهبي فيما بينهم. كلام يبدو جميلا في ظاهره لكن وضعه هدفا لا يتعدى غير أن يكون ضربا من الأوهام أو الأحلام.إن امة تغذى أبناؤها،على مدى أكثر من ألف عام، على كيفية إتقان وممارسة فن الكره وعدم تقبل الآخر واحتقاره أو قتله وتفجيره بفعل فكر أو عقيدة يعتنقها، لا يمكن لمليون مسلسل وليس مسلسلا واحدا ان يخلصهم منها. إنها صارت كما الغرائز أو العقد التي تمركزت في بواطن لا شعورهم الفردي والجمعي. شعوب إن أريد لها أن تعيش بمحبة وسلام مع نفسها ومع الغير، تحتاج الى جلسات نفسية ووسائل تربوية علمية ومدنية مخلصة كي تستعيد إنسانيتها. هذا إذا لم اقل إن أدمغتها بحاجة الى تعقيم موضعي ثم تنشر تحت الشمس لمدة عام، على الأقل، علها تتخلص مما علق بها من أمراض جعلتها تعادي نسمات الحضارة أو المدنية حتى وان أرادت لها الخير والتقدم. الناس أعداء ما جهلوا.الأمم التي تبتلى بمثل ما ابتلينا به، يظل أملها بالخلاص مناطا بالنخب التي يفترض ان يحميها وعيها من عدوى التخلف والشعور بالتفوق المزيف على الشعوب الأخرى. في مقدمة تلك النخب يقف المبدعون من الأدباء والشعراء والفنانين والمفكرين الأحرار. إن رواية "كوخ العم توم"  للكاتبة الأميركية هاريبت بيتشرستاو حررت العبيد وأحدثت انقلابا هائلا في بنية المجتمع الأمريكي. السبب هو أنها التزمت بالإنسان كقضية. وهكذا يجب ان تكون رسالة الفنان العربي والا فسيصبح صيدا سهلا بيد الظلاميين وتجار الكراهية.في العام الماضي، في الشهر السابع منه بالضبط، التقيت بدمشق بالممثل رشيد عساف، الذي يمثل دور معاوية بالمسلسل قيد الحديث. ضم لقاؤنا "النؤاسي"  جمعا من الفنانين والمثقفين السوريين والعراقيين بينهم الصديق الملحن كوكب حمزة والكاتب الدرامي الصديق حامد المالكي على ما اذكر. وحين تكلم رشيد عن مسلسله الجديد قلت له بالعراقي: "فال الله ولا فالك". إني من الآن، وقبل أن اعرف ما سيدور به، أراه مسلسلا "ملتحيا". وصدقني لن يقدم ولن يؤخر شيئا. فنبش الموتى لا يحييهم بل يحيي ما خلفوه لنا من كوارث خاصة وهو يجرنا الى ما اسماه المفكر الكبير طه حسين بالـ "فتنة الكبرى". فتنة إن كان أبطالها قد رحلوا قبل مئات السنين، فما الذي نتوقع ان نخرجه منها، لو أحييناها، غير الفتن وحقن روح الطائفية بأمصال جديدة تطيل بحياتها؟ كان ملخص رأيي هو أن زج الفن بمطبات الفتن الدينية، لا يحوله الى فن ملتح، حسب، بل  وسيسلم لحيته بيد أعداء الفن والحياة والحرية من الأسلامويين والساسة الفاشلين.وللحديث بقية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram