عبد الخالق كيطان واحدة من الحروب الرمزية الكثيرة التي جرت رحاها في العراق خلال النصف قرن الماضي هي حرب الصور. إذ يقوم المناهضون بحرق أو ضرب صور هذا الزعيم أو ذاك تعبيراً عن كراهية متبادلة ناهيك عن غياب أي لغة أخرى للتفاهم. فنحن بالمجمل أبناء ثقافة لا تقدس شيئاً مثل إلغاء الآخر ونفيه، وسحله إن أمكن!
والرئيس لا يقرأ رسائل ضرب صوره عادة قراءة صحيحة، بل هو يعدها نوعاً من أنواع الحسد والمناكفة السياسية ليس إلا، ولذلك فهو يفشل في استلهام أي فكرة من تلك الحوادث. أتذكر في هذا السياق ما حدث في انتفاضة آذار، عندما هجم الناس، أولاً وقبل كل شيء، على صور الديكتاتور فضربوها بمختلف "الأسلحة البدائية"، فكيف قرأت السلطات ذلك؟ ببساطة شديدة اعتبرتهم مجرد "غوغاء" يستحقون لا القتل، بل إزالة أحيائهم ومناطقهم ومدنهم من الوجود، وبالفعل كان هذا نصيب مدن كاملة. ثم انتشرت الظاهرة في التسعينيات، وكان رد الفعل الحكومي مضحكاً: عيّنوا سيارة شرطة أمام كل جدارية للديكتاتور، ومع ذلك لم تفلت تلك الجداريات من رشقها بالأسلحة البدائية ذاتها. السلطة لم تستطع أبداً قراءة تلك الرسائل قراءة صحيحة، وظلت تصر على أن أصحابها هم زمر من المجرمين أو الخارجين عن القانون وما إليه.ويتكرر الأمر هذه الأيام من جديد. إذ تنتشر صور قادة ورجال دين ومرشحين برلمانيين وغيرهم في الشوارع، واللافت أن تستهدف صورة الزعيم الفلاني أكثر من مرة وفي أكثر من مكان، مع ذلك فلا أحد من حاشية السيد الزعيم يحسن قراءة الرسالة، فيحاول، على سبيل المثال، دراسة أسبابها، ولماذا تتكرر في هذه المنطقة أو تلك. لا أحد من الحاشية يفكر في تحسين صورة الزعيم بين جمهوره وأنصاره، بل الأرجح، بالنسبة لي، أن هذه الحاشية مشغولة على الدوام بأن تظهر له دقة آرائه، عظمتها، رجحانها على غيرها وما إليه من "ملخيات" المستشارين، على ما يعبر الزميل علاء حسن دائماً.عندما نظرت إلى صورة السيد رئيس مجلس الوزراء في إحدى الساحات العامة ببغداد وقد اخترقها تفجير لا أدري عن مصدره، تساءلت في سري: ما جدوى الخطب الرنانة والبلاغات الحماسية وما شابه إذن؟ ما فائدة التبجح أمام شاشات الفضائيات عن المصالحة والوحدة الوطنية؟ من الذي يضحك على من؟ وهل صحيح أن الجمهور الذي يقذف صورة هذا الزعيم بالأسلحة البدائية ذاتها، هو عبارة عن مجموعة من الخونة والغوغاء، كما اعتادت أنظمتنا المتعاقبة على وصفهم؟ كيف سأستقبل مثل هذا الحدث لو كانت الصورة المقذوفة هي صورتي أنا؟ وقبل ذلك، لو صرت وزيراً أو رئيساً أو... هل سأسمح بوضع صوري في أعلى البنايات بهذه الحجوم الكبيرة؟ لماذا كنت أنتقد الديكتاتور إذن وأنا أقلده في كل رمشة أو حركة قام بها؟الصور تكشف عن سايكولوجيا الشعوب، لهذا مثلاً تكثر في العراق صور رجال الدين والساسة على ما سواها. ولهذا أيضاً لا تستهدف من قبل المجموع غير تلك الصور، وعلى اللبيب أن يفهم لماذا!
عين:صورة الرئيس
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 14 أغسطس, 2011: 09:32 م