عامر القيسي آخر القناعات في المسرحية العراقية الطويلة، إننا أصبحنا بحاجة ماسة لخبراء دوليين من أجل إعادة النظر بهيكلية الدولة العراقية، وكشف عن هذه القناعة مؤخرا السيد رئيس الوزراء نوري المالكي وهذا الكشف يعبر بصورة لا تقبل الجدل أننا قد فشلنا في هيكلة الدولة بصورة صحيحة وان الطريق الذي سرنا به منذ ثماني سنوات لم يصل بنا
حتى إلى حافات دولة حقيقية أو شبه حقيقية. فقد مارست الطبقة الحاكمة كل الممارسات الخاطئة التي قادت أخيرا إلى الاعتراف بان هذه الطبقة نفسها غير مؤهلة لهيكلة دولة وإعادة بنائها، وبالرغم من أن الأسباب التي قادها السيد المالكي لهذه الحاجة أسباب واهية بكل المقاييس "الهيئات المستقلة وكثرة الوزراء"، إلا أن الحقيقة الساطعة الآن، إن من قادونا كل هذه الفترة غير مؤهلين لتنفيذ كل الشعارات التي رفعوها أثناء الحملات الانتخابية وقبلها وبعدها من أنهم يعملون على بناء دولة حقيقية مثل بقية دول العالم.الهيئات المستقلة من صنع أيدينا والتضخم بأعداد الوزارات صنعته التوافقات السياسية، والسؤال هو، هل هذه هي أسس بناء وهيكلة دولة فيما لو تم حل هاتين المعضلتين؟ الجواب، لا، بكل تأكيد لان مواصفات الدولة لا تقوم على مثل هذه الأسس فقط، لان بناء الدولة عملية شاقة وتراكمية وتحتاج بداية إلى كفاءات وخبرات هي للأسف غير متوفرة في طبقتنا السياسية التي أفلحت بامتياز في استكمال تدمير البلاد عبر إغراقها بالصراعات السياسية الثانوية والفساد المالي الذي حصدنا فيه الجوائز والميداليات الذهبية في المحافل الدولية!! لن نناقش هنا كيف تبنى الدولة ولا من الذي يبنيها ولا الطرق المؤدية إليها.. سنقول فقط إننا أمام مشكلة جديدة ستمنع حتى الخبراء الدوليين من الوصول إلى العراق، وإذا وصل السادة الخبراء فلن يصلوا قبل سنوات. والسبب واضح وبسيط، لان طبقتنا السياسية ستعترض على المقترح أولا وسيتخاصم القوم على دستورية الرأي من عدمه، وهل ستؤدي هذه الخطوة إلى التدخل بالشأن الداخلي ورسم سياسات البلاد. رغم إننا في عز موسم التدخلات الخارجية في شؤوننا فضلاً عن أننا لا نمتلك سياسات واضحة على كل المستويات الداخلية "تصاعد الأزمات وتوالدها"، وخارجيا لم نفلح في جعل الجيران يحترمون وجودنا، والدليل أننا تحولنا إلى ورقة سياسية بيد الجيران للحصول على مكاسب لهم من الأميركان وغير الأميركان. المرجح أن طبقتنا السياسية ستنسى على ما اعتقد، القضايا الكثيرة والكبيرة المختلف عليها مثل مجلس السياسات الإستراتيجية والترشيق الحكومي وقضايا الفساد المالي والوزراء الأمنيين والكهرباء ومعالجة المشكلات مع دول الجوار.. الخ وسوف "يعرّتون" بقضية جديدة اسمها "الخبراء الدوليون"، سيختلفون أولا عن منشأ هؤلاء الخبراء، أن كانوا من أميركا المحتلة أم من الجار الإسلامي أم من جزر الواق واق، وربما تصل مستوى الخلافات إلى البحث عن الهوية الطائفية لهؤلاء الخبراء، إذا تمت الموافقة على مقترح المالكي، الذي واجه منذ البداية الانتقادات باعتباره "تدخلا"، في الشأن الداخلي! وربما سيسأل القوم لدينا عن توجهات الخبير إن كان متعاطفا مع العراقية أم مع التحالف الوطني أم مع ابو درع!! ومثل هذه الأفكار المفترضة ليست من باب السخرية لان تجربتنا مع سياسيينا قدمت لنا الكثير من فصول الكوميديا السوداء التي أبكتنا وآلمتنا. ولكي لا نفتري على احد اقرأوا معنا تصريحات لأعضاء في مجلس النواب حول هذه القضية..- قضية الخبراء الدوليين مخالفة دستورية. - مجلس النواب هو المسؤول عن هيكلة الدولة. - مع المقترح شرط ألا يكون منفذا للتدخل في شؤوننا الداخلية. - لدينا الكثير من الخبرات ولا ضرورة للاستنجاد بالخبراء الدوليين. - ينبغي الحصول على موافقة الكتل السياسية قبل طرحه. - نستعين نعم ولكن لا نستبعد العراقيين. وهذا أول الغيث.... واللبيب من الإشارة يفهم!!
كتابة على الحيطان :الخبراء الدوليون.. من التحالف أم من العراقية!!
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 14 أغسطس, 2011: 09:54 م