طارق الجبوريبعد 2003 وتداعيات ما حدث في العراق ، خاصة في ما يتعلق بسيطرة الاحزاب الدينية على مقدرات المشهد السياسي وهيمنتها شبه المطلقة عليه، بدأت تثار بين آونة وأخرى أسئلة تتعلق بمستقبل العلمانية في العراق، في ظل انحسار تأثير تياراتها بمختلف توجهاتها الفكرية . ان المتابع لتلك التساؤلات يخرج بتصورين لاثالث لهما الاول : يائس من فكرة عودة هذا التيار بأي شكل من الاشكال الى ساحة الفعل المؤثر ويعده في طور الاحتضار ليس في العراق فحسب بل في الساحة العربية والاسلامية ،
والثاني اقل يأساً ويرجح عودة ضعيفة للعلمانية ولكن من دون ان يكون لها دور في التحكم بمجريات الاحداث . الاول يبني توقعاته على المد الديني الاسلامي في المنطقة وامكانية بناء نموذج اسلامي جديد في العراق يمكن ان يستقطب اليه ملايين الموالين من مختلف البلدان ويكون نموذجاً مغايراً صورياً لإيران ،ولكنه يلتقي معه بالهدف ، أما الثاني فيضع رهانه على ما للاحزاب العلمانية من جذور في العراق يستحيل قلعها نهائياً ، لذا فإنها ستعيش محاولة إيجاد مكان لها بين الكتل الدينية ،ووجود هكذا علمانية غير مؤثرة وضعيفة لن يقلق التيار الديني الجديد في العراق المهيمن على مقاليد السلطة .ومع تقديرنا لكل الآراء والتحليلات، فإن تقديرنا المتواضع بأن كلا التحليلين يجانبان الصواب ويبتعدان عن الحقيقة. ففي الاول من الخطأ الركون الى سطح الظاهرة وبناء القناعات على اساسها دون الغور بنتائجها ومسبباتها ،كما إن وقائع الأحداث في المنطقة ومن ضمنها العراق اكدت خطورة الركون الى التيارات الدينية وتسييدها مقاليد الامور وسلطت الضوء على ممارسات رموزكبيرة في التيارات الدينية حاولت إقحام الدين بالعمل السياسي لتحقيق اغراضها الخاصة والضيقة ما جعل الكثير يعيد النظرمرة اخرى بالثقة التي منحت لهذه التيارات. البعض يبني حساباته على نتائج الانتخابات، متناسياً ما سبق أوصاحب ذلك من سلبيات من أبرزها قانون الانتخابات الذي فصّل على مقاس هذه التيارات وضمان بقائها في مقاعدها. ومع ذلك فان نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة على ضعفها يمكن ان تعد مؤشراً على حالة تململ حصلت في الشارع الشعبي عبرت عن رفضه الطروحات الطائفية وحنين متواضع لخيارات الوحدة الوطنية، كما إن الأحزاب الدينية نفسها انتبهت، إلى عدم إمكانية الاتكاء على الجانب الديني، فرفعت شعارات وطنية بلبوس ديني عكس الاحزاب العلمانية والليبرالية التي بقيت في سبات ولم تستثمر هذه الصحوة الشعبية، إن صح التعبير، لإعادة الاعتبار لتيار لاقى الكثير من التعسف والتشويه. أما ما يتعلق بالاتجاه الثاني فعلى ما فيه من الصحة والواقعية في ما يتعلق بالبعد التاريخي للعلمانية في العراق، لكنه يغفل ما قد يمكن ان يحصل من متغير كبير في معادلة التأثير الشعبي للاحزاب الوطنية العلمانية، إذا ما استثمرت بشكل صحيح، فشل التيارات الدينية في خلق نموذج حكم يتناسب وتطلعات المواطنين وحاجاتهم.ومن المناسب التذكير هنا بأن من الأخطاء الشائعة ربط دخول العلمانية الى مجتمعاتنا، باعتبارها منهجا يدعو إلى التحرر في الفكر، بنشوء الاحزاب الليبرالية او اليسارية والقومية، وقطعها عن جذورها العميقة في التاريخ عندما تصدى فلاسفة كابن رشد للافكار الجامدة التي ترفض التغيير، إضافة للمنحى الجديد الذي جسده فكر الكندي وابن سينا، ما يعزز آراء القليل ممن يؤمنون بان العلمانية بالمفهوم الواسع للحياة، رافقت المجتمع العربي في عصر نهضته وتقوقعت في زمن الظلام والتخلف، ومنذ العصور العباسية المتأخرة حتى الآن، وعاودت الظهور بشكل جديد مع الحركات السياسية نهاية القرن التاسع عشر. كما نرى ان من الضرورة بمكان الاشارة هنا الى ان اكبر المخاطر التي واجهت العلمانية وأدت إلى انحسارها، كان في محاولة الانظمة الاستبدادية في البلدان العربية والاسلامية اضفاء هذه الصفة زيفاً عليها، والأنكى من كل ذلك ان التيارات الدينية اتخذت من ذلك وغيرها من التهم كمحاولة ربط العلمانية بالاستعمار ذريعة لشن هجومها على هذا التيار الذي ارتبط ظهوره من الناحية العملية مع تصاعد المطالبات بالمساواة والعدالة والحريات. كما انه وبالضد و عكس الحركات القومية في اوربا ،التي أسهمت في خلق نهضة جديدة في بلدانها شملت كل مناحي الحياة ومهدت لنشوء انظمة جديدة كبديل للنظام الاقطاعي الذي كان سائداً، وعززت أسس بناء دولة مدنية حديثة بمفهوم علماني يستجيب للمتغيرات الجديدة، فان انتشار هذه الافكاروتبنيها في محيطنا العربي أدى إلى عكس ذلك تماماً و اصاب الحياة العربية بالجمود وخلق انظمة استبدادية الحقت الكوارث والويلات ببلدانها دون ان نحمل الافكار مغبة او جريرة ما شهدته وتشهده ساحة العمل العربي من اخفاقات، غير أن تتبع مسار الانظمة التي رفعت الشعارات القومية يشير الى نزوع جل قادتها الى الزعامة اكثر من المبادىء، ما أدى إلى تحويل أحزابها إلى أدوات بيد الحكام، كانت وراء حالة التخلف التي عاشتها منطقتنا وما زالت. وانطلاقاً مما تقدم اعلاه فانه يمكن القول ان ما تعرضت له العلمانية من هجمات، لاعلاقة لها بالدين وبقيم المجتمع، بل ترتبط بمصالح رجال الدين وطبقات من السياسيين المنتفعين.وبغض النظر عن محاولة الب
بعد أن تقوقعت وانحسر دورها..هل للعلمانية من مستقبل في العراق؟
نشر في: 16 أغسطس, 2011: 05:29 م