TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عين:عامل نظافة

عين:عامل نظافة

نشر في: 16 أغسطس, 2011: 10:11 م

 عبد الخالق كيطان لو كان الأمر بيدي لعينت شبابنا العاطلين عن العمل كلهم، وبلا استثناء، في قطاع النظافة. العمل ليس عيباً، والنظافة من الإيمان، هذا ما نردده ليل نهار، ولكن الحقيقة، إننا في الجانبين: جانب الناس وجانب السلطة، أكثر ما نكرهه هو النظافة وعمال النظافة.
وفي محافظة تزدحم باستقبال الآلاف من السياح يومياً، ناهيك عن عدد سكانها المتعاظم أصلاً، وهي محافظة النجف، وبدلاً من أن تقوم الدوائر المتخصصة بتعيين أعداد إضافية للعاملين بقطاع النظافة، فإنها تقوم بتسريح العشرات منهم. أما لماذا تسرّح المحافظة عمال النظافة فيها، فالأمر عائد إلى تعاقد المحافظة مع شركة تركية ستتبنى مسألة النظافة ورفع الأنقاض والنفايات من المدينة، وفي ثنايا الخبر نقرأ أن الشركة تعهدت بتشغيل "عمالة غير عراقية في تنفيذ المشروع".لقد أثبتت العمالة غير العراقية أنها جاءت لكي تعمل، وليس لكي تتسلى. والأمر لا غرابة فيه، فكل عمالة مهاجرة تحاول في الدول التي تحلّ فيها أن تثبت قدر الإمكان ولاءها للعمل فقط دون الدخول في إشكالات جانبية. والعمال العراقيون، للأسف الشديد، في الأعمّ الأغلب كسالى. أما عملهم في قطاع النظافة فتضيف إليه القيم المحلية أبعاداً أخرى من نوع "العيب"، وفي الحقيقة فإن استقدام عمالة غير عراقية للعمل في قطاع النظافة ظل خياراً عراقياً على مدى عقود لهذا السبب.. وقد حصل تعديل طفيف في هذه المعادلة مع سنوات الحصار القاسية، عندما اضطر الشباب العراقيون إلى العمل في أية مهنة متوفرة، حتى ولو صنّفها المعيار القيمي المجتمعي بوصفها عيباً، وهي ليست عيباً على أي حال. أما بعد سقوط الديكتاتورية، وانتعاش طبقة حملة الشهادات، مؤقتاً، فقد ذهب كثير من غير المتعلمين أو المتعثرين في تعليمهم، والبعض من المتعلمين أيضاً، إلى البحث عن مهن "شريفة"، بضمنها النظافة بالطبع، لكي يساعدوا أنفسهم وعوائلهم في زمن يشهد ارتفاعات ملحوظة بالأسعار، حيث يصل معدل إيجار شقة صغيرة إلى ما يوازي مرتب موظف من الدرجة السابعة، وأكثر في أحيان أخرى.إن زيادة التوظيف في قطاع النظافة في هذه المرحلة يوفّر الكثير من الأهداف: إنه يقضي على هذه البطالة المخيفة، وهو يسهم في إضفاء بعد متحضر، واقعي لا خيالي، لشعبنا، والتوظيف في قطاع النظافة، حتى ولو كان بطريقة العقود غير الثابتة، هو الفرصة الوحيدة، السهلة والممكنة، التي أمامنا لنحقق أكثر من هدف، ولكي نثبت لأنفسنا قدرتنا على خلق مبادرات تضامنية، بين الشعب والحكومة وبالتالي قد نخفّف من ذلك الاحتقان الذي تسببه قلة فرص العمل في البلاد.وأكاد أزعم أن الاستثمار، المالي والبشري، في قطاع النظافة هو أبرز وأنجح استثمار في عراق اليوم. فالنفايات التي تملأ الأمكنة لن تتبخر بقدرة قادر، ولن تقضي عليها الطريقة البدائية، وعدوة البيئة، والتي تسبب أمراضاً لا حصر لها، ومفادها: حرق النفايات في مكانها وقبل رفعها. ما يمكن أن يسهم في خلق بيئة نظيفة وصحية، وفي الوقت ذاته الذي نوفر فيه فرص عمل، ولو مؤقتة، للآلاف من المواطنين، يتوجب العمل على إطلاق حملة وطنية للنظافة، حملة تريد أن تقول أن النظافة ممكنة في العراق، وأن العراقيين يحبون النظافة فعلاً لا قولاً، وإن الشركات غير العراقية التي تريد أن تستثمر في النظافة عليها إما أن تشغل ما يوازي حاجة هذا القطاع من عمال أو فتح المجال واسعاً لتوظيف عراقيين إلى جانب من تستقدمهم لهذه الغاية.لو كنت واحداً من عمال نظافة مدينة النجف لنفّذت اعتصاماً مفتوحاً لحين إعادتي إلى العمل.. ولدعوت زملائي للتضامن معي في ذلك، فأولاً وأخيراً نحن نتحدث عن أرزاق الناس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram