ســلام خـياطيذكرني مشهد بيت القذافي المستباح والمقلوب عاليه سافله، بمشهد مماثل في العاصمة طرابلس قبل ربع قرن، أتساءل في سري: لماذا تأخر قرار رفع الستارة عن المشهد كل هذا الوقت؟؟في سنوات الثمانينات، قدر لي زيارة ليبيا لحضور احتفالات الفاتح السنوية. يشاء القدر أن يتزامن موعد الزيارة إثر غارة قوات الناتو على مقر القذافي، والتي قتلت على إثرها ابنته بالتبني، وكان مؤملا القضاء على القذافي نفسه لولا أن أنقذه اتصال هاتفي (غامض!) غادر على إثره المبنى قبل دقائق معدودات من سقوط القذائف، وبذلك نجا من موت محقق، (قيل وقتها: إن الموعد على إسدال الستارة لم يحن بعد.
كانت زيارة غير عادية لصحفية عراقية مثلي، وآثار الحرب تدمغ كل معالم الحياة ببلدي ببصمتها المشؤومة. شهدت توافد صحفيين من كل أرجاء العالم العربي والغربي، بعضهم شحذ قلمه ودبج مقالاته عن مآثر الأخ العقيد حتى قبل افتتاح المؤتمر!بدت طرابلس _في هدأة الغروب_ لمن يزورها للمرة الأولى، جديرة باسمها (عروس البحر). فلماذا تراءت لي منذ الوهلة الأولى، كئيبة منطوية، يلفها صمت الصابرين على البلوى؟ كان الفندق الذي حط فيه الصحفيون رحالهم قد شيد حديثا، لكن الخدمات الفندقية مفقودة أو متدنية الأداء، أفلحت مجموعة من الصحفيين العرب والأجانب من الإفلات من قبضة المرافق عضو اللجنة الثورية، وهرعت للسوق الكبير القريب، فجع الرهط لمرأى السوق شبه خال، ومعظم الدكاكين والمتاجر مغلقة الأبواب، احتجاجا صامتا على ما أقدم عليه القذافي من تنفيذ بعض بنود نظريته (شركاء لا أجراء) والقاضي بمشاركة الأجير رب العمل، برأس المال والبضاعة والأرباح! قلت في سري: أما حان وقت رفع الستارة؟؟ الشواطئ الخلابة المترامية على مد البصر شبه مهجورة، لا شاليهات تزينها، لا بلاجات تزدهي بروادها، لا عوائل، لا خضرة ولا وجه حسن. صور العقيد في كل شارع وعلى كل مبنى، قالوا: ما برح الوقت غير ملائم لرفع الستارة عن المشهد.المكتبة الرئيسة شبه خالية من الكتب العلمية والثقافية، ملأى بكتب عن القذافي وإنجازاته، والنهر العظيم وجدواه، بطبعات متعددة وأغلفة ملونة، الأجواء ملبدة بالشك والريب، أفراد لجان الحرس الثوري في كل عطفة، إحساس مبهم يراود الزائر، إنهم يحصون حتى عدد الأنفاس! تلك الزيارة اليتيمة لليبيا _ والتي عدت منها بخيبة مثلثة الأضلاع _ كما يقولون. فما حصلت على اشتراك ولو شهري! للمطبوعة التي بعثت بي، ولا سعيت لمغنم شخصي، وما حصدت من مقالاتي عن ليبيا المستلبة إلا الملامة!! معظم أرصدة وثروات ليبيا – كما أرصدة أكثر الدول العربية المستقرة أو المتهاوية– مودعة في مصارف الغرب، بشتى الأسماء وتنوع المساهمات، وأوان رفع الستارة أو إسدالها مرهون بإرادة من يكتبون السيناريو، والتصريح الذي نشرته الواشنطون تايمز على لسان (كاترين آشتون) مسؤولة الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي، عن موعد إسدال الستارة، للبدء في فصل جديد، قالت: إن أول شيء علينا اتخاذه هو القرار الخاص الذي أتخذه الإتحاد بتجميد الأرصدة الليبية.نشهد إسدال الستار بقلق، ماذا يخبئ لنا المشهد القادم؟!
السطور الأخيرة: تجميد الأرصدة بتسخين الأجواء!
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 24 أغسطس, 2011: 09:39 م