ترجمة: نجاح الجبيليجميل أحمد هو موظف حكومي بدأ عمله في بلوجستان في الخمسينات. اغلب الموظفين الحكوميين الذين عينوا في مثل هذه المناطق البعيدة مثل بلوجستان وهو إقليم حدودي شمال غرب باكستان أو المناطق القبلية على طول الحدود الباكستانية الأفغانية قد عانوا بشدة من أجل تعيينهم في مدن اكبر بباكستان ،لكن أحمد بقي وقضى عقوداً يعمل كإداري. وخلافاً لمعظم الموظفين من السهول تعلم أحمد لغة الباشتو وهي اللغة التي تتكلمها معظم القبائل على طول الحدود الموحشة. وطوال تلك السنين كان يدون الملاحظات ثم حوّل في عام 1974 انطباعاته إلى مجموعة من القصص المرتبطة داخلياً.
أخفى أحمد مسودته الأولى وتركها لا يمسها لمدة ثلاث عقود. في عام 2008 وكان في الخامسة والسبعين قد تقاعد من الوظيفة الحكومية وعاش في العاصمة الباكستانية إسلام آباد. قامت اثنتان من النساء الباكستانيات الشابات هما عايشة راجا وهي بائعة كتب من لاهور و فايزة سلطان خان وهي كاتبة عمود ومحررة من كراتشي بدعوة الكتاب الباكستانيين إلى مسابقة للقصص. أصر أخ أحمد الأصغر على أنه يجب أن يظهر عمله وبعد إعادة العمل في المخطوطة التي عمرها 35 سنة أرسلها أحمد إلى "خان" التي أطرتها وأرسلتها إلى محرر في دار نشر بنغوين.قبل سنتين ظهرت أول مجموعة قصصية لهذا الكاتب الذي يبلغ الثامنة والسبعين بعنوان "الصقر التائه" وهي من أجمل المجاميع القصصية التي ظهرت في جنوب آسيا خلال عدة عقود. تبدأ قصة "الصقر التائه" في أوائل الخمسينات في بلوجستان وتدور حول ابنة رئيس قبيلة متزوجة من رجل عاجز تفر مع خادم أبيها وتجد ملجأ في حصن معزول يحرسه عدد من الجنود. ينقل خوف العاشقين ويأسهما بينما هو يصفهما وهما يحصلان على الماء عند وصولهما إلى أبواب الحصن بعد رحلة شاقة. "حين أحست بالماء بدأت تمص يده وأصابعه مثل حيوان صغير. وفجأة اندفعت نحو الدلو وغمرت رأسها فيها وشربت بأصوات لهاث إلى أن اختنقت". يجد الزوجان ملجأ في ركن مهجور من الحصن. يولد لهما ابن ويربيانه في ركن مخفي لمدة ست سنوات إلى أن ترسل قبيلتهما "سياهباد" الرجال لتعقبهما. ويهرب الزوجان وابنهما لكن يجري القبض عليهما ويوضع مرقد من الحجر على قبرهما كعلامة على انتقام القبيلة. "تور باز" الطفل الذي ترك ولم يمت يتبناه متمردو البلوش الذين يقاتلون الحكومة الباكستانية ويكبر كونه الصقر التائه صبياً بلا هوية محددة ينتقل بين عالمين خطرين مليء بالإنسانية والشجاعة والقسوة وفوق ذلك الفقر الذي هو من الفظاعة إذ يبدو البقاء فيه حسنة كبرى. وعلى الرغم من أن المناطق القبلية لباكستان تهيمن على صفحات الأخبار والرأي لعدة سنوات فنادراً ما أظهر كاتب عاطفة كبرى لشعبها أو جلب الحكمة والمعرفة للكتابة عن مستبد غير قابل للوصول بشكل كبير بالنسبة للصحفيين والكتاب. أصبحت الحدود الباكستانية الأفغانية تعج بالإرهابيين وأغبياء الحرب المؤتمتين. إن طموحات الدول الأمم واهتماماتها – أميركا وباكستان وأفغانستان- ميزت البلوش بشكل لا مرئي. إن قصص جميل تعود بالإنسانية إلى هذه المنطقة المدمرة. فشخوصه تخرق الأصناف المستعملة كثيراً لعصورنا: المعتدلين والمتطرفين، السلفيين أو الصوفيين، المؤيدين للأميريكان أو الذين يقفون ضدهم. أحياناً تكون اهتماماتهم عادية وفي غالب الأحيان تكون صراعات صعبة من أجل حياة الكرامة والحب. إن قصص "الصقر التائه" هي نقد لاذع للطرق القاسية للدول ، بينما هي تبحث في فرض حدود مؤسسة على عوالم قديمة أكثر مرونة. وفي إحدى قصصه الفاعلة " موت الجمال" يصف أحمد عالم قبيلة تتكون من رعاة الجمال الذين ينتقلون بقطعانهم من الجبال الأفغانية في الشتاء إلى السهول بباكستان في الصيف. وفي الخريف وحين تحاول دولة باكستان أن تقوي حدودها تقوم قافلة من الوجوه البدوية بتسليح الجنود الباكستانيين الذين يأمرونهم بالعودة إلى المنطقة القبلية. الأوامر القاسية تطلق من خلال مكبرات الصوت. وتشرع البنادق. امرأة غير متعودة على أساليب الدول الأمم تتحرك للأمام مع بعض الجمال حاملة نسخة من القرآن على رأسها مؤكدة أن هذا الكتاب المقدس سيحفظها. بالكاد تقدموا خمسين ياردة حين فتحت النار من بندقيتين من كل جانب وقتلت الجمال. كانت النيران عشوائية. مات الرجال والنساء والأطفال. ومات أيضاً اعتقاد "غول جانا" بأن القرآن سوف يمنع المأساة". إن التصادم بين الناس الذين يحكمون أنفسهم من خلال القوانين القبلية القديمة والحكومات الحديثة تتخلل قصص أحمد. وثمة قصة أخرى هي "مسألة شرف" تظهر عدداَ من المتمردين البلوش الذين يقبضون على "تور باز" الذي يبلغ السادسة بعد مقتل والديه ويجادلون حول نشرة الحكومة الباكستانية التي تشجب اقتراحاَ للتفاوض. يسير المتمردون يقودهم رئيس كبير السن نصف أعمى بفخر، إلى مركز الحكم من أجل المفاوضين لكن ينتهي بأن ينزعون سلاحهم ويحكمون بالموت بسبب القتل.يكتب أحمد:" ثمة صمت تام حول البلوش وقضيتهم وحياتهم وموتهم. لا محررا صحفيا خاطر بالعقاب من أجلهم.. لا سياسيا خاطر بالسجن: سوف يستمرون بالحديث عن حقوق الفرد وكرامة الإنسان واستغلال الفقراء لكنهم لن يعرضوا الأخطاء خارج الباب الأمامي". وبشكل حزين تستمر الكلمات تقرع الحقيقة. هذه المجموعة تذكر بأعمال اثنين من أساتذة القصص القصيرة: سادات حسين
قصص (الصقر التائه) لجميل أحمد..صراعات الحدود من أجل الكرامة والحب
نشر في: 26 أغسطس, 2011: 06:14 م