علــــي حســين احترت في أي قضية سأكتب اليوم، هل أكتب عن الناطق الحكومي قاسم عطا وتصريحاته المتناقضة والمسيئة لعقول الناس؟، فقد ظهر اللواء عطا وفي اقل من ساعة مرتين ليطلق تصريحين لا يشبه احدهما الآخر، ففي التصريح الأول نفى عطا اطلاق اي صاروخ من البصرة باتجاه الكويت، وبعد تأكيد وكالات الأنباء العالمية لخبر إطلاق الصواريخ خرج عطا مبتسما ليؤكد أن صواريخ أطلقت ولكن ليس باتجاه الكويت وإنما كانت تستهدف قطعات الجيش العراقي المتواجدة في سجن بوكا،
والغريب أن الناطق نسى أو تناسى انه صرح لنا قبل أشهر بان الحكومة قررت إغلاق سجن بوكا وسيتم تحويله إلى مجمع تجاري من قبل إحدى الشركات العالمية.أم أكتب عن النائب سعد المطلبي، الذي أطلق أحدث نكتة سياسية حين قال حكومة المالكي ستشرع بحملة على الفساد؟ وهي نكتة تصدر فقط من داخل أسوار كتلة القانون، التي طالما رفض أعضاؤها البارزون الحديث عن الفساد والمفسدين. أم أكتب عن الحديث المثير الذي تحدث به رئيس الوزراء إلى مجموعة من الإعلاميين.فقد تعجبت وأنا اسمع السيد المالكي يقول إن "ما وضع في الدستور الذي استفتي عليه قبل ست سنوات أنتج حكومة على أساس طائفي، لقد اكتشفنا بأننا زرعنا ألغاما ولم نزرع حقوقاً" وهو كلام تأتي أهميته أنه صادر عن رئيس الوزراء الذي طالما إصر على الاحتكام للدستور، ففي حوار قبل سنتين لصحيفة الشرق الأوسط، قال المالكي بالحرف الواحد: "الصحيح أن نعوض ونرفع الظلم والحرمان ولكن أيضاً ينبغي أن يكون ضمن سياقات الدولة وضمن دستورها، الدستور هو الذي يحكم، وليس من حق أحد أن يتجاوز الدستور"، لعل الحديث عن الدستور بمثل هذا الوقت أشبه بمن يمسك الفاس ويمهد التربة لشيء كبير قادم في الطريق. على أن أكثر ما يلفت الانتباه في الآراء والفتاوى التي أطلقها السيد المالكي هو هذا الترصد للقوى السياسية الأخرى ومحاولة جرها إلى معركة جديدة، حيث يبدو الأمر دون بذل أي جهد في التفكير أن الحوار يأتي في إطار حملة أو مشروع حكومي لتطهير الدستور من كل ما يتعارض مع صلاحيات رئيس الوزراء، حيث لا يجد المالكي غضاضة في وصف هذه الفقرات بأنها ألغام يجب إزالتها لأنها فاقدة للشرعية. كنت أتمنى أن يتحدث السيد المالكي عن الحاجة إلى بناء دولة مدنية لا أثر فيها لأي توجه طائفي أو عرقي، دولة تبنى على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان واحترام حقوق وحريات القوميات والطوائف والأديان كافة على قدم المساواة، دولة لا اثر فيها لفتاوى كامل الزيدي، دولة يتساوى فيها الجميع بالواجبات وبالحقوق، لا دولة للمقربين الذين سرقوا ثمار التغيير قبل أن تصل إلى مستحقيها، السيد المالكي الناس لا ترى الشجرة - الدستور - فكيف تريد أن تقنعهم أن فيها ثمارا سيحصدونها. لا أدري عن أي دستور يتحدث المالكي، والناس أسرى احتياجاتها اليومية، فما نفع الدستور وألغامه أمام عائلة تسكن في بيت من الصفيح، وشباب يبحثون عن فرصة عمل وأرملة تستجدي رحمة المسؤولين، ومدن بلا ابسط الخدمات؟ ما نفع الحديث عن الدستور أمام شرعية التزوير والسرقة والعبث بمصائر الناس والتحكم بمقدراتهم، ولا أعرف إذا ما كان السيد المالكي يسأل نفسه: ما معنى أن نفتح ملف الدستور الشائك في الوقت الذي يعجز الساسة على الاتفاق على أسماء وزراء للدفاع والداخلية، أليس الحديث عن الخدمات أكثر شرعية من الحديث عن دستور اكتشف المالكي متأخرا هشاشة بنائه، وان الأرض المقام عليها لا يصلح البناء فوقها، فيما يعلم الجميع أن المالكي هو احد الذين حددوا المواد المستخدمة في إنشاء هذا الدستور، لكنه اليوم اكتشفت أن هذا البناء خرج عن الخط المرسوم له. ما طرحه السيد المالكي في حديثه يتجاوز رأيه في الدستور، بل أظنه يمكن النظر إليه على أنه مرحلة القصف العنيف تمهيدا لمرحلة الهجوم البري الحاسمة، وأحسب أن على كل مواطن أن يتحسس رأسه من الآن، ويفكر فيما هو قادم، ليس على مستوى شكل الدستور وتكوينه فقط، بل ربما يكون المقصود من وراء قنابل الدخان التي يلقيها رئيس الوزراء هو القفز إلى ما هو أكبر وأخطر من فك وتركيب الدستور بخامات مختلفة وديكورات جديدة. غير أن كلام المالكي لم يخل من الشيء ونقيضه، والحجة وعكسها، فبعد أن أشعل النار في حقول المتمسكين بتطبيق الدستور وبعد أن حذر من أن "الطائفية في العراق ما زالت موجودة وليس في بعدها السياسي فحسب " نسي انه أصر قبل فترة على أن الوزارات الأمنية ليست من حصص القوائم السياسية وإنما من حصص المكونات، ولعل الجميع يتذكر أن المالكي قال بالحرف الواحد "إن وزارة الدفاع ليست من حصة العراقية وإنما هي من حصة المكون السني". اغلب الظن أن هذه الألغام أكثر ضررا من أية ألغام حذرنا ويحذرنا المالكي منها كل يوم.
العمود الثـامـن :ألغام المالكي وصواريخ عطا
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 26 أغسطس, 2011: 10:24 م