إيمان محسن جاسممن يتجول في شوارع القاهرة الرئيسية ويقترب من حافات التظاهرات يكتشف بأن الشارع المصري مازال يمارس ضغوطه على المجلس العسكري وحكومة شرف وأحياناً كثيرة يمارس هذا الضغط على نفسه دون أن يشعر بذلك.فمن يحرك الشارع المصري الآن؟ إذا ما سألت أحداً سيأتي الجواب الخجول جداً بأن هنالك أجندات خارجية!! وعندما أسمع هذا المصطلح أشعر بأنني أعيد قراءة المشهد العراقي والإعلام الرسمي العراقي والخطابات والتصريحات العراقية التي عادة ما تؤكد أن ثمة أجندات خارجية تنفذ داخلياً وتقود لنتائج لا تخدم بالتأكيد الشعب.
وحقيقة الأمر فإن وجود أجندات لقوى إقليمية في مصر أمر وارد جداً ومحسوب لدرجة يصعب نكرانه أو تجاهله بأي شكل من الأشكال.والسبب يكمن بأن مصر الآن هي الساحة في الصراع بين الأيدلوجيات في العالم، مصر من جهة لها تأثيرها الإستراتيجي على الخليج العربي، خاصة وإن مليارات من الدولارات مستثمرة في مصر من قبل دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات، وفي الجانب الثاني تمثل ساحة مكشوفة لأن تلعب إيران دوراً مهماً تحقق من خلاله شيئاً من التوازن في المنطقة المحفوفة بالمخاطر، خاصة وإن إيران تشعر بأن أمريكا وحلف الناتو يحيطان بها من جميع الجهات، وبالتالي فإنها تبحث عن موطئ قدم لها في ارض الكنانة، خاصة وإن لها مريدين في الساحة المصرية بعد الثورة.وهذه الأجندات وإن بدأت أحياناً كثيرة مختفية وراء شعارات وطلبات إلا أنها من جانب آخر واضحة لكل متابع يستشعر حجم النفق الذي ستدخله مصر بعد حين.ما يشغل أبناء مصر الآن وعلى مختلف مشاربهم شكل الدولة المصرية القادمة،هل هي مدنية تقوم على أساس المواطنة ، أم دينية على غرار إيران، أم ستتحول لدولة ثورية كما كانت بعد يوليو 1952؟ووفق هذا برز في الأسبوع الأخير أكثر من حدث يصب في هوية الدولة المصرية المقبلة، الحدث الأول يتمثل بمناقشة بعض الإسلاميين المتوقع وصولهم لمجلس الشعب ومصادر القرار موضوع السياحة في مصر وأسلمتها، وتبريرهم في ذلك بأن مصر بلد إسلامي ويجب المحافظة على هوية مصر الإسلامية بعيداً عما كان يجري في عهد مبارك من (انفلات سياحي) أثر على سمعة مصر كثيراً كما يقولون، وبالتالي يتطلب الأمر مراجعة شاملة لمفهوم السياحة في بلد تعتبر السياحة من أهم مصادر الدخل فيه، كما أن الشعب المصري معتاد على وجود السياح بين ظهرانيهم منذ القدم. وتتميز مصر بوفرة في المزارات السياحية على اختلاف أنواعها، والأهم إنها توفر فرص عمل لا يمكن الاستغناء عنها، لأن هذا يعني خسارة 14 مليون سائح سنوياً يدخلون مصر. هذه المراجعات التي طالب بها البعض من شأنها أن تنهي السياحة في مصر وتحولها لدولة منغلقة على نفسها لدرجة إن طالب البعض بتشميع التماثيل الفرعونية، والبعض الآخر شبهها بالأصنام التي كانت موجودة في مكة قبل البعثة النبوية.أما الحدث الثاني والذي تمثل بالتظاهرات المليونية أمام السفارة الإسرائيلية مطالبين بإبعاد السفير والبعض طالب بمراجعة اتفاقية كامب ديفيد برمتها، وقد يتصور البعض بأن هذه التظاهرات كانت بسبب مقتل وإصابة عدد من الجنود المصريين مؤخراً، لكن السبب الرئيسي يكمن بأن بعض القوى الإسلامية المهيمنة في مصر نظمت هذه التظاهرات لمناسبة يوم القدس، وهو يمثل الجمعة الأخيرة من رمضان من كل عام والذي أطلقة الأمام الخميني زعيم الثورة الإيرانية،وتنظيم هذه الاحتجاجات تحت عنوان العدوان الإسرائيلي ومقتل جنود مصريين، يمنحها بُعداً روحياً كبيراً لدى المصريين الذين يجدون أنفسهم مكبلين باتفاقية كامب ديفيد وما ترتب عليها من خضوع واستسلام كما يتصور البعض من هؤلاء ،وفي مقدمتهم القوى الإسلامية التي طالبت بمراجعة هذه الاتفاقية في أقرب فرصة. ولعل الأحداث الماضية أثبتت بأن الكثير من القوى الإسلامية لا تستسيغ التعامل مع إسرائيل وتمثل هذا بتفجير خط أنابيب الغاز الناقل من مصر لتل أبيب أكثر من مرة منذ تنحي مبارك عن السلطة.لهذا نجد بأن ملامح الدولة المدنية في مصر بدأت تضمر، وفي الجانب الثاني تبرز صورة الدولة الدينية القائمة على استعادة العداء لإسرائيل، والتخلص من اتفاقية كامب ديفيد التي على ما يبدو لا يريد ثوار مصر أن يرثوها كما ورثوا أشياء عديدة من نظام مبارك.
مصر وحديث الهوية المقبلة
نشر في: 28 أغسطس, 2011: 06:12 م