علـي حســينهناك ما يشبه التواطؤ الغريب بين أجهزة حكومية وجماعات إرهابية سهّلت وتسهّل عملية فرار العديد من السجناء تحت أنظار وأسماع مسؤولين كبار، في المقابل تنشغل النخب السياسية عن هذا الملف الخطير بمناقشة قضايا واستحقاقات خاصة وكأننا ننعم بالأمن في كل ربوع البلاد وكأن الحكومة ووزاراتها الأمنية تسيطر على الأمن بالفعل، لا أفهم كيف نتحدث عن أية قضية والأمن غائب أو مغيّب،
والمفترض أن تكون هذه القضية هي الأولى على رأس كل المناقشات، لا أفهم كيف ينهمك الساسة في أحاديث عن التعديلات الدستورية من دون ضمان وجود الأمن أولا، اليوم ونحن نقرأ عن هروب سجناء في الموصل نشاهد أحداثاً عشناها من قبل، انفعلنا بها، سكبنا أنهارا من الحبر حولها، وفجأة تعرض علينا من جديد، فيتعامل البعض معها وكأنها تحدث للمرة الأولى، وكأن هناك اتفاقا غير معلن بين الجميع على أن نشارك في مسرحية نحن المتفرجين فيها فيما صناعها الحقيقيون يتوارون خلف الستار ، لم تنته بعد المشاهد المثيرة التي قامت بإعدادها وزارة العدل في سجن البصرة والحلة وسجون بغداد حتى أعدت لنا وزارة الداخلية مشهدا مسرحيا جديدا، أبطاله عناصر من القاعدة متهمين بقضايا قتل جماعي وعمليات تفجير، لتكون الحادثة الثانية في خلال نحو شهر والثالثة من نوعها التي تسجل في محافظة نينوى في غضون أربعة أشهر تقريبا، وزارة العدل التي بدت في الفترة الأخيرة بطلة مسلسل الهروب المتواصل سارعت هذه المرة إلى القول بأن سجن تسفيرات الموصل يقع ضمن صلاحيات وزارة الداخلية. لا أجد تفسيرا واحدا إلا أن ما يجري عبث من نوع خاص، عبث لا يختلف كثيرا عن عبث تصريحات رئيس الوزراء الذي اخبرنا في حوار أجرته معه قناة الاتجاه من أن الوضع الأمني مستقر وان عدم وجود وزراء للدفاع والداخلية لا يؤثر كثيرا على عمل الوزارة لكن العبث يصبح أكثر مرارة حين نقرأ تصريحات لمسؤولين كبار يؤكدون فيها أن الخروقات في السجون بسيطة ولا تشكل خطراً على الأمن. يعلم السيد المالكي قبل غيره أن غياب الأمن يعني نسف كل أسس العملية السياسية لأنه سيعطي الإرهابي والمجرم حقوقا وتجبر الاجهزة الامنية على عدم مقاومته.نحن الآن نشهد تهديد المجرمين للقضاء كي يؤثروا على أحكامه فكيف نطمئن على أفراد من الحرس في مقاومة إغراءات هؤلاء الإرهابيين. ثم إن تكرار عمليات الهروب المنظمة صار يثير الارتياب، ويضع مئات من علامات الاستفهام حول المسألة، إذا كانت الأجهزة الأمنية عاجزة عن ردع إرهابي داخل المعتقل، فكيف يمكن لهذه الأجهزة أن توفر الأمن للناس في الشوارع؟ الأجهزة الأمنية للأسف عاجزة عن حماية بيتها الذي هو مراكز الشرطة والمعتقلات التي في عهدتها، فكيف تقوم بحماية بيوت الناس؟.عدم تحقيق الأمن يعنى عرقلة وتعطيل كل الملفات والموضوعات الأخرى.. هل يتصور عاقل أن يتطور البلد في ظل الفوضى الأمنية؟ غياب الأمن يعني عدم تحقق التنمية السياسية، أو التنمية الاقتصادية، لو كنت مكان القوى والأحزاب السياسية لأعلنت بوضوح التوقف عن مناقشة أي شيء بشأن المستقبل قبل عودة الأمن إلى مستواه، وقبل اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة توقف مسلسل هروب السجناء وتطبيق سيادة القانون على الجميع، خصوصا أن فئات كثيرة تنضم كل يوم إلى قافلة الهاربين الآخذة في التنامي والتضخم، لا مفر من تطبيق العدالة بمفهومها الحقيقي ضد كل من يخالف القانون أو يتواطأ في نشر الجريمة، الناس تتساءل؛ لماذا ينجو من العقاب الأشخاص المتورطون في تهريب الإرهابيين؟، لماذا يعيش آمنا المسؤول الذين يعبث بأموال الدولة ويعدها مالا خاصا؟، لماذا يعيش المفسدون آمنين مطمئنين يتمتعون بما أغدقت عليهم مناصبهم من مال ورفاهية؟، أسئلة يطرحها الناس كل يوم وهم يقرأون ويشاهدون ويسمعون عن قضايا فساد ومخالفات أمنية قاتلة ينجو أصحابها من سيف القانون. ولان القانون أساس بناء مجتمع معافى، فان المواطن سيبقى يشعر بالغربة وهو يرى أن العدالة لا تطبق بمعاييرها الحقيقية. المعنى الوحيد لمثل هذه النوعية من الجرائم التي تكررت كثيرا هي أن هيبة الدولة قد اختفت أو تكاد، وان جزءا كبيرا من الخارجين على القانون قرر التعامل مع الأجهزة الأمنية باعتبارها غير موجودة أو على الأقل لا خوف منها وتلك هي الكارثة.عندما يهرب 35 سجينا من احد سجون وزارة الداخلية أو العدل، فالمعنى أن سطوة الأجهزة الأمنية تتلاشى، وبالتالي علينا أن نسأل: ما هي نوعية الاحاديث التي تدور بين نوري المالكي والقيادات الأمنية عندما يجلسون في غرفة مغلقة وأمامهم التقارير التي تتحدث عن مسلسلات الهروب الكبيرة؟هروب عتاة الإرهابيين شكل جديد من أشكال الفساد المالي والإداري والذي سيضاف إلى قائمة الأفعال التي يتفرج عليها القانون، وأخيرا اسأل: في مثل هذا المناخ المنفلت كيف سنصدق أن الحكومة ستكون قادرة على تأمين أمن الناس جميعاً.
العمود الثـامـن: كوميديا تهريب السجناء
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 3 سبتمبر, 2011: 09:01 م