الموصل / صالح الياس ليس هناك ما يشير إلى وجود حياة في أحد شوارع "رأس الجادة" جنوب غربي مدينة الموصل المعزول عن الطريق الرئيس بجدار حجب المارة عنه، سوى موقع مشروع زراعة الفطر. مخزن كبير مهجور، أعاد المزارع مجيد حميد صلال (57 عاما) الحياة إلى جزء منه، واستغله لإقامة وحدة إنتاجية تجريبية، فتخصصه العلمي وباعه الطويل في الزراعة، شجعاه،على لخوض في تجربة صعبة، كما وصفها أكاديميون متخصصون من جامعة الموصل.
يقول صلال "ان نمو الفطر يحتاج إلى بيئة وظروف تهيأ بشكل علمي دقيق، توقعوا فشلي مسبقا ولم يُبدوا أي تشجيع في هذا الصدد". إنها أول تجربة لزراعة الفطر في العراق، تكللت بالنجاح في مدينة الموصل بخبرات وإمكانيات محلية، فتحت آفاقاً واسعة للانفتاح على محاصيل أخرى، بدلاً عن الحنطة والشعير التي عرفتها نينوى طوال قرون. مراسل "نقاش" زار المشروع واطلع على بدايات العمل ومراحل الإنتاج خلال حديث مع المزارع، الذي بدا واسع الخبرة، شديد الثقة بقدرته على إكمال المشروع بمراحل كبيرة يطمح إليها. يوضح صلال "قبل سنتين تقريبا حصلت على رخصة استثمارية من هيئة استثمار نينوى، لإقامة مشروع زراعة الفطر الفريد من نوعه في المحافظة، والنادر على مستوى العراق". "لم أجد تفاعلا كبيراً من أساتذة جامعة الموصل فلجأت إلى هيئة البحوث العلمية الزراعية في سوريا (حلب) حيث تلقيت دورات مكثفة، على حسابي الخاص، واطلعت هناك على مشاريع مماثلة"، يضيف صاحب المشروع. وقدم صلال شرحا علميا مفصلا لزراعة الفطر، كأنه يلقي محاضرة علمية في إحدى الجامعات، لكن الأهم انه يعزز كلامه بشواهد عملية، هي المراحل التي طبقت وصولا إلى الإنتاج. يقول :"زراعة الفطر تحتاج إلى عمليات بسترة وتعقيم، للتخلص من البكتريا الضارة، وقد نفذت هنا"، يشير إلى غرفة صغيرة وصلت بآلات تعطي البخار وتتحكم بمستوى الحرارة، تم تصنيع أكثرها تعقيدا في الموصل (لان استيرادها مكلف جدا) وهي "تعمل بإتقان شديد". المرحلة الأخيرة هي زراعة البذار في بيئة مناسبة، من حيث درجات الحرارة والرطوبة النسبية ونسبة الأوكسجين وثاني اوكسيد الكاربون. وتضبط هذه القياسات بالاستعانة بأجهزة خاصة، لتتوافق ومراحل نمو المنتج، فالبذار مثلا، يحتاج إلى درجة حرارة تتراوح بين 2 - 4 درجة مئوية، بينما تتطلب مراحل أخرى مستوى حرارة مختلف، على عكس الرطوبة التي تحدد نسبتها بـ 90 بالمئة تقريبا. الوسط المناسب للزراعة توفر في غرفة أبعادها (6*12*3)م، صنعت جدرانها خصيصا لهذا المشروع، للحفاظ على الظروف المناسبة، فيها عدد من المساطب مساحة الواحدة منها متر مربع واحد، تظهر عليها نتوءات ثمر الفطر ناصعة البياض. ويضيف المزارع "الخطأ غير مسموح في أية مرحلة لأنها عبارة عن سلسلة مكملة لبعضها"، مستدركا "أصعبها تهيئة البذار، فقد أنجزت في مختبرات خاصة". ما يميز هذا المشروع تبنيه المراحل كلها، بينما المزارع الأجنبي يقوم بتنفيذ المرحلة الأخيرة المتمثلة بزراعة البذار في وسط مناسب، حيث تتولى مؤسسات علمية متخصصة إعداد الخطوات الأولية والمهمة. ويؤكد صلال، بينما يتأمل ثمرة جناها توا، ان النتائج أثبتت "نجاح المشروع بنسبة 100%، في إنتاج أجود الأنواع (الفطر الأبيض)، وضمن المستوى العالمي (20-30 كيلو غرام للمتر المربع الواحد)". التكاليف تبدو عالية جدا تحمل المزارع الجزء الأكبر منها، إلى جانب ما تسلمه من أموال بموجب "قرض المبادرة الزراعية"، المقدم من وزارة الزراعة العراقية للمزارعين. بيد أن صلال تحفظ على كشف حجمها لاعتبارات أمنية، مفضلا الإجابة بـ"أن المشروع مكلف جدا، لكنه مربح". محافظة نينوى التي تشتهر بالزراعة وتضم 46% من مساحات زراعة الحبوب في العراق، لم تعرف زراعة الفطر سوى مرة واحدة، مطلع سبعينيات القرن الماضي، وبشكل محدود جدا، حسب علي كريم الأستاذ في كلية الزراعة، جامعة الموصل. ويقول كريم الذي لم يطلع مباشرة على المشروع "إذا كان الإنتاج قد بدأ فعلا، فانه دليل كاف على النجاح". نجاح زراعة الفطر قد يلفت أنظار المزارعين بعد توالي مواسم الجفاف وقلة الدعم الحكومي، الذي أدى إلى تراجع كبير في زراعة محصولي الحنطة والشعير في المحافظة. مراسل "نقاش" حصل على نسخة من كتاب رسمي صادر عن مديرية زراعة نينوى مؤرخ في 10 آب 2011، يؤكد نجاح مجيد حميد صلال في مشروع زراعة الفطر. نسخ من الكتاب وجهت إلى وزارة الزراعة وديوان محافظة نينوى، للاطلاع. النسخة الرابعة وصلت رئيس لجنة الزراعة والموارد المائية في مجلس المحافظة نواف تركي الفيصل، الذي عبر لـ"نقاش" عن تحفظه إزاء هذا المشروع لحين اطلاع دائرة صحة نينوى ومديرية البيئة على المنتج والتأكد من صلاحيته للاستهلاك البشري. هذا الإجراء، يفترض ان يكون قد اتبع قبل المصادقة على المشروع، وفق السياق المعتمد، لان أي مشروع استثماري يتطلب اقرار مجلس المحافظة. فرحة المزارع صلال لا حدود لها وهو يراقب قطف الثمر، لأنه يعتبر انه حقق انجازا يستحق الثناء، ويقول "هذه الوحدة التجريبية الصغيرة سوف تستنسخ إلى وحدات إنتاجية ضخمة، ونحن بصدد شراء الأرض اللازمة لتنفيذ المشروع بمراحله الكبيرة". وعلى الرغم من قلة المنتج إلا
أخيراً .. نجحت زراعة الفطر في نينوى
نشر في: 4 سبتمبر, 2011: 09:42 م