اسم الكتاب: الآن كل الطرق تؤدي إلى فرنساالمؤلف: ماثيو هوليسترجمة: عبد الخالق عليغالبا ما نفكر بأدوارد توماس على انه شاعر ريفي يكتب عن المكان و الانتماء، إلا أن مواضيعه الحقيقية هي التفكيك و التناقض و عدم الاستقرار. قصائده تزدحم بالأشباح و بالغابات سحيقة الأعماق، كما أن الطبيعة بالنسبة له هي سطوح صلبة سهلة الكسر و معرضة للانهيار المفاجئ. و كان ليفيس مصيبا عندما وصف شعر توماس بأنه يعمل عند " حافة الشعور ".
السرد الممتاز لماثيو هوليس عن السنوات الأخيرة لتوماس تعطينا سياقا لهذه الجوانب من شعره. إن توماس بالنسبة لهوليس هو رجل تدفعه الكآبة و الشك، رجل مصاب بداء العمل يعذبه احتقاره لنفسه بسبب عدم امتلاكه الشجاعة على قتل نفسه، و غير سعيد في زواجه (رغم كونه مخلصا)، محتقرا لزوجته هيلين التي يحبها (رغم كونه غير عنيف). التنزه و الطبيعة وفرت له عزاءً مؤقتا، لكنه، إلى حين التقى بروبرت فروست عام 1913، كان واثقا من عدم كتابته الشعر، و من المحتمل أن يرتكب الانتحار. الصداقة التي بينهما، و قرار توماس بالقتال في فرنسا هي في قلب هذا الكتاب (لقد قتل في اليوم الأول من معركة آراس). يفتتح هوليس كتابه باستلهام مشهد الشعر اللندني قبل قرن من الزمن. كانت تلك بداية سنوات الحداثة الأدبية، كما أن هوليس يثير تصادم القديم بالحديث بشكل رائع. في هذا العالم تحرك فروست و توماس. وصل فروست على قارب من أميركا على أمل تثبيت اسمه كشاعر في انكلترا، حيث فشل في ذلك في بلده الأصلي. أما توماس فقد جاء متأخراً إلى الشعر أو بالأحرى إن الشعر وصل إليه متأخراً: كان في حياته معروفا كأحد نقاد الشعر البارزين، و مشهورا بحدة قلمه. هوليس يسترجع هذا الجانب المنسي من مهنة توماس: مراجع متنفذ لدرجة انه كان معروفا بأنه " يحمل مفاتيح جنة الشعر الانكليزي "، و الذي كان لا يخاف في حكمه و النقد بالنسبة له سلوك أخلاقي يجب تنفيذه من خلال " لغة لا تنخدع ". لكن في حينها، كما هي الحال اليوم، كان من المستحيل تقريبا أن تكسب العيش بالعمل كناقد فقط. يسجل هوليس الضغط القاسي و تأثيراته الكئيبة على القيم الأخلاقية لتوماس، المتسمر في منضدة الكتابة و الملزم ماليا بكتابة مئات الآلاف من الكلمات في السنة الواحدة (سير ذاتية، تواريخ، دراسات نقدية، كتب سفر بالإضافة إلى المراجعات التي لا تنتهي). غرق توماس أكثر في الكآبة. بحلول عام 1912 كان فكره " مريرا و خفيا " حسب تعبير هوليس الحاد، كان يعاني الأرق و متقلبا، غالبا ما كان يهاجم زوجته. ثم التقى فروست، و في ربيع 1914 كانت بينهما علاقة وثيقة لدرجة أنهما فكرا بالانتقال معا إلى أميركا. كان فروست الرجل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ توماس من الأسف على نفسه. كانا يقضيان اغلب وقتهما بالحديث و هما يتنزهان حول قرية دايموك في غلوسسترشاير حيث كانت مجموعة من الشعراء تتجمع لسنوات قليلة من اجل التجوال و التفكير و احتساء الشراب. حتى عندما كانت سهول بلجيكا تحترق و طوابير اللاجئين تخرج قبل تقدم الألمان، كان شعراء دايموك يغادرون قصائدهم. الحرب أنقذت توماس قبل أن تقتله. لقد منحته الغاية و أعطته الشعر. في أيلول 1914 كتب توماس يقول " إني أتحول إلى رجل انكليزي مدرك "، و جاءت أولى قصائده بعد شهرين من ذلك. و خلال سنتين كتب توماس – بعد استشارة فروست – شعرا بقي مدى الحياة. و خلال تلك الأشهر كان توماس يقبل بأعمال " قذرة " مثل " كتاب عن دوق مارلبورو يجب انجازه على عجل " الذي استغرقه عشرة أسابيع: ستة لبحثه و أربعة لكتابته). أدرك توماي الطبيعة الصناعية للحرب العالمية الأولى: كانت ماكنة واسعة مصممة، كما يقول، " لتحويل الرجال إلى فضلات ". لكنه مع ذلك كان يبحث عن الإثارة، و انتهى به الأمر ملازما ثانيا في إحدى وحدات المدفعية. توقف عن كتابة الشعر قبل فترة قليلة من رحيله إلى فرنسا، و قتل خلال عشرة أسابيع من وصوله إلى الجبهة الغربية، قتل بهدوء بقصف مدفعي أوقف قلبه و ألقاه أرضا، لكنه ترك البايب الذي يستخدمه سليما. يتحدث هوليس – الذي كان شاعرا و محررا و كاتب سيرة مثل توماس - عن كل ذلك بشكل جيد، حكاياته مبنية بشكل جميل حسب المكان و السنة و الموسم. لقد اختار ألا يضع نفسه في تنافس مع توماس، سرده هادىء و ماهر، لهجته ذكية. تعاطفه مع توماس و إعجابه بشعره واضح جدا. في 1985 وصف تيد هيوز توماس قائلا بأنه " أبونا كلنا ". كان هيوز كشاعر يتحدث إلى شعراء آخرين، إلا أن تعليقه صادق. الكثير من حياة و عمل توماس يبدو انه كان يسبق القلق المعاصر: دوافعه غير المنسجمة للسفر و العيش، صعوبة معرفة ما يسميه " بالوطن "، ولعه البيئي بالإقليمية، و شعوره بالمنفى. كتاب هوليس الجميل يساعدنا على فهم ما هو أكثر بالنسبة لتوماس من العشب و الصفصاف و المروج. عن/الغارديان
الســـــنوات الأولــــى للحــداثــــة فـــــي الأدب
نشر في: 5 سبتمبر, 2011: 05:53 م