حسين علي الحمدانيمسألة تحديث الدولة العراقية ورفدها بالطاقات الجديدة وفق متطلبات العصر الحالي وما يمكن أن يمثله من رفع العطاء بالاتجاه الذي يخدم الخطط الاقتصادية والتنموية والاجتماعية وتأثيراتها على النهوض والتقدم والرقي.
وفي الأيام الأخيرة طرح البعض فكرة ضخ دماء جديدة لمؤسسات ودوائر الدولة العراقية عبر إحالة من قضى 25 سنة في الخدمة للتقاعد ومنحه تقاعداً يمثل 80% من راتبه الاسمي ، وقد يعتقد البعض بأن هذا يمثل حلاً للكثير من المشاكل التي تعصف بالبنية الإدارية للدولة العراقية التي هي فعلاُ تعاني مشاكل كثيرة يتحتم على واضعي الخطط معالجتها بالشكل الذي يؤمن ديمومة العطاء.ومن الممكن أن يكون هذا حلاً اقتصادياً ناجحاً مرحلياً رغم أنه يزيد من ميزانية الإنفاق مما يؤثر على مسارات التنمية في البلد، لكن له تأثيرات اجتماعية كبيرة وربما تكون خطيرة خاصة إن عدد الذين سيشملهم مضمون فكرة التقاعد المبكر يمثلون نسبة عالية جداً في مؤسسات ووزارات كالتربية والتعليم العالي والصحة والعدل وحتى في وزارة التخطيط نفسها،وبالتالي فإنهم سيتركون فراغاً كبيراً لا يمكن أن يتم احتواؤه بالسهولة التي يتصورها البعض،هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن فترة 25 سنة من التدرج الوظيفي تعني في ما تعنيه أن هذا الموظف وصل أوج العطاء وتراكم الخبرة،وقد يكون الكثير منهم لم يتجاوز الخمسين سنة من عمره وبالتالي فإننا سنجد بأن الدولة بقرارها هذا ترمي بهذه الخبرات والطاقات خارج العمل والأجدر أن تستغلهم أو تستغل الخبرات التي اكتسبوها بما يعزز من فرص تطويرهم بدلاً من الاستغناء عنهم في ظروف تتطلب المحافظة على ما موجود من طاقات وخبرات في ميادين متعددة كما قلنا كالتربية والتعليم العالي والصحة والكثير من الوزارات التي هي بالتأكيد تمتلك إحصائيات دقيقة لإعمار منتسبيها وفترة خدمتهم،ناهيك إن الجهاز الإداري في العراق تعرض لأكثر من ترشيق في العقود الماضية آخرها عام 1989 وبعدها حيث تم خروج الكثير من الموظفين من الخدمة بسبب تدني الرواتب.لهذا فإن الخطوات التي يفكر البعض باتخاذها تحت بند ( التقاعد المبكر ) يمكن أن تأخذ حقها في الدراسة والمناقشة العلمية والعملية في نفس الوقت وعبر سلسلة من الإجراءات التي من شأنها أن تحقق الغايات المتوخاة من عملية التقاعد المبكر هذه،وقبل هذا وذاك علينا أن نسأل أنفسنا هل نحن على استعداد لأن نتخلى عن خبرات كثيرة متوفرة حالياً وفي ميادين عمل مختلفة؟ والسؤال الثاني والأكثر أهمية هو هل تحديث الدولة يقتصر فقط على ضخ دماء جديدة أم قوانين وأنظمة وتشريعات هي الأخرى حديثة وتتماشى مع متطلبات التحول الذي جرى في العراق؟بالتأكيد الإجابة على السؤالين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً من خلال إن الموظف الجديد لا يمكن أن يكون متطوراً ويخدم عملية التطوير في ظل وجود قوانين وأنظمة قديمة وغير مواكبة وملائمة لهذا الزمن وتحولاته خاصة وإن الكثير من التشريعات والأنظمة الصادرة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مازالت سارية المفعول وتقف عقبة أمام حالات تطور كثيرة يتمناها العراقي وفي مجالات عديدة سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية.ولعل البعض يرى بأن التقاعد المبكر أحد وسائل امتصاص البطالة التي تقدر بـ 15% في العراق وهي نسبة قابلة للزيادة في السنوات القادمة،ولهذا نجد بأن تعديل سن الإحالة إلى التقاعد من 63 سنة إلى 55 سنة هو الأفضل وطالما إن المقترح الذي قدمه مجلس الوزراء لتعديل سن التقاعد من 63 إلى 61 لم تتم مناقشته وإقراره في البرلمان،لهذا فإن الوقت متاح لتعديل المقترح لسن 55 سنة ، حيث سيتم تجدد دماء الدولة العراقية تدريجياً دون أن يؤثر ذلك في إحداث فجوة كبيرة من شأنها أن تنعكس على مجمل الأداء الإداري.أما الجانب الثاني وهو المهم جداً في المرحلة الحالية هي أن تسعى الدولة لتفعيل عمل القطاع الخاص من أجل أن يمتص كتلة الخريجين الذين لا يجيدون فرص عمل سواء في قطاع الدولة ، وتفعيل عمل القطاع الخاص من شأنه أن يساهم بشكل كبير جدا في امتصاص البطالة خاصة وإن القطاع الخاص العراقي في جوانب عديدة منه كالمعامل والمزارع والدواجن وغيرها من شأنه أن يساهم مساهمة فعالة ليس في امتصاص البطالة فقط بل في دعم الاقتصاد العراقي بموارد إضافية .
التقاعـد المبكّر أزمـة أم حــل؟
نشر في: 5 سبتمبر, 2011: 05:57 م