هاشم العقابي هناك انشغال واضح في الوسطين الثقافي والصحافي العراقيين، هذه الأيام، بمبادرة الزميل عبد الخالق كيطان حول إنشاء جمعية "بغداد الفتاة". مثل هذا الانشغال بفكرة، برغم أنها ما زالت تحوم في دائرة الاستعدادات والنقاشات، ينزل شيئا من الطلاوة على النفس التواقة لفعل يحرك واقعنا الثقافي المتيبس. لا أريد هنا أن أخوض في تفاصيل أهداف الجمعية وأسباب تأسيسها، فالزميل عبد الخالق قد كتب عن ذلك بوضوح في عموده الذي نشره أمس في "المدى"،
إضافة لما كتبه آخرون من مقالات ونقاشات حولها في صفحة الفيسبوك الخاصة بالجمعية المقترحة.لا ادري لماذا وجدت نفسي منشغلا أو مهتما أكثر باسم الجمعية. تساءلت، أولا، لماذا لم يكن "العراق الفتاة"، على غرار "تركيا الفتاة" مثلا؟ لكن هل تجوز التسمية لغويا لان العراق اسم مذكر مما قد يستدعي أن نقول الفتى؟ ثم محوت هذا التساؤل من ذهني لأني صراحة أرى في "بغداد الفتاة" وقعا أجمل لفظا ومضمونا. وبوحي شيء هو اقرب للشعر منه إلى غيره، ارتسمت بغداد بمخيلتي كفتاة بغدادية. رقتها، طولها، طيبتها، عطرها ثم لهجتها العذبة. هل هي كما كانت يوم فارقتها قبل ثلاثين عاما أم تغيرت؟ وبرغم أن حسرات فراق الوطن كبيرة، لكن الحسرة على بغداد تظل من نوع آخر. إنها من نوع "تشجي الزغر وتريد تكبر"، كما قالت جدتنا فدعة الشاعرة. وكما قال عريان السيد خلف: "يلتمن عليه مكدرات البال"، وجدتني محاطا بمكدرات ما تمر به بغداد اليوم من خراب ودمار. حضر ببالي ما كان يردده جان دمو في جلساته: "لم يدمر بغداد غير الشعراء الشعبيين". كان يقصد أنهم فعلوا ذلك من خلال قصائدهم التي طبلت للقادسية غير المقدسة بزمن صدام. وقد يكون محقا بذلك.تذكري لما قاله جان استحضر بذهني سؤالا قديما صعب علي أن أجد له جوابا مقنعا. ففي بداية استدراج الشعراء الشعبيين لاستخدامهم سلاحا في الحرب مع إيران، تمت دعوة شعراء المحافظات من دون شعراء بغداد. ولأسباب ادارية اكثر مما هي سياسية، دعيت جمعية الشعراء الشعبيين ببغداد لحضور أول مهرجان "حربي" عقد برعاية صدام. وبسبب الجمعية اشترك شعراء من بغداد اغلبهم من كتاب القصيدة التقليدية. وحين بثت القصائد على التلفزيون لم تبث قصيدة واحدة لشاعر من بغداد. وفي نهاية المهرجان تم منح الشعراء المشتركين عطايا عبارة عن مسدس وألف دينار في الأمسية الختامية. بعدها بأسبوع صدر قرار فحواه "تكريم" الشعراء الذين ساهموا بقطعة ارض ومبلغ 15 ألف دينار ويستثنى شعراء بغداد من تلك "المكرمة"! لماذا؟ هذا هو السؤال الذي لم أجد له جوابا منذ ذلك اليوم. مرة همس لي احد الشعراء المقربين من صدام، وتم إعدامه فيما بعد من قبل صدام نفسه، إن السبب هو لان "القيادة" لديها معلومات بان اغلب شعراء بغداد شيوعيون! أظن أن الجواب غير ذلك لكني، كما قلت، لا اعرفه.ولان الحديث عن "بغداد الفتاة" جرني، من حيث لا ادري، إلى قصة شعرائها الشعبيين، عدت إلى صفحة الجمعية على الفيسبوك فلم أجد من بين الأعضاء غير شاعر شعبي واحد هو كاظم غيلان. انتبهت، وقد لا أكون مصيبا مئة بالمئة، إلى أني لم اسمع قصيدة مهمة لشاعر شعبي قيلت في بغداد محبة أو وصفا أو غزلا. وحتى أكون منصفا اذكر أن هناك قصيدة من بيت واحد قيلت في بغداد للشاعر شاكر السماوي وهي:بغداد كلج زلكَـ .. جا وين أحط الجدم؟أدعو الشعراء الشعبيين خاصة المرموقين منهم، أن يفكروا جديا بالانضمام إلى المسعى الذي بدأه عبد الخالق كيطان وأصحابه، فلعلهم يجدون فيه محط قدم يحميهم من الزلكَـ القديم والجديد.
سلاما يا عراق :بغداد الفتاة والشعراء الشعبيون
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 5 سبتمبر, 2011: 08:25 م